منذ أن أصبح خطر انتشار جائحة «كوفيد–19» في العالم واضحاً للعيان، ظهرت الحاجة إلى اتخاذ إجراءات لوقف تفشيه السريع، وكان على دول العالم أن توازن بين اعتبارين، الأول ضرورة حماية أرواح الناس ووقايتهم من الإصابة بالمرض، لا سيما مع الهلع الذي ارتبط بانتشاره، والعدد المتزايد للوفيات، والنقص الهائل في المعلومات حول المرض وتأثيراته وطرق العدوى وأساليب تجنبها، وهو ما تسبب في ارتباك حقيقي شمل معظم دول العالم، والاعتبار الثاني هو ضرورة استمرار الأنشطة الاقتصادية التي تحتاج بقوة إلى حرية التنقل والسفر وحركة الأفراد والسلع داخل كل دولة على حدة، وبين دول العالم التي تزايدت درجة اعتماد كل منها على الأخريات بشكل غير مسبوق.
وقد انحازت دولة الإمارات العربية المتحدة انحيازاً لا لبس فيه نحو خيار الحفاظ على أرواح مواطنيها والمقيمين على أرضها، ووقايتهم من أي احتمالات للإصابة بالمرض، على اعتبار أن حياة الإنسان هي أثمن ما يلزم الحفاظ عليه، وفي الوقت ذاته عولجت التبعات الاقتصادية السلبية المترتبة على إجراءات الإغلاق الضرورية، من خلال حُزم تحفيز اقتصادية كبيرة، وإجراءات وقرارات لتخفيف كثير من الالتزامات المالية عن عاتق الأفراد والشركات، وهو الخيار الذي أثبت صحته بعد أن بلغت الخسائر في الأرواح أرقاماً مخيفة في كثير من الدول.
وكان من بين القرارات الوقائية التي اتخذتها الدولة في مارس الماضي، قرار الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية التعليق المؤقت لإصدار جميع أنواع التأشيرات، باستثناء حملة الجوازات الدبلوماسية، وظل هذا القرار سارياً حتى أعلنت الهيئة يوم الأربعاء الماضي، استئناف العمل بشأن إصدار مختلف التأشيرات، فيما عدا تصاريح العمل، ليكون ذلك خطوة مهمة نحو تخفيف إجراءات الإغلاق، وإعادة الزخم إلى الأنشطة الاقتصادية المختلفة، مع تغير الظروف التي اكتنفت اتخاذ القرارات السابقة. 
لقد جرت مياه كثيرة في النهر منذ مارس الماضي، وأصبح العالم يعرف الكثير عن طبيعة الفيروس والكيفية التي ينتشر بها، والأدوية والعقاقير التي يمكنها التعامل معه بكفاءة، فاستطاعت دولة الإمارات أن تضيف الكثير إلى خبراتها ورصيدها في مواجهة «كوفيد–19»، وأصبح النظام الصحي في الدولة أسرع في اكتشاف حالات الإصابة وأقدر على علاجها، وإلى جانب النظام الصحي، فإن مختلف المؤسسات في الدولة أصبحت تمتلك المعرفة والتجربة العملية فيما يخص دورها في مواجهة الجائحة وأدائه بيسر وكفاءة، ولذا فإن قرار الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية استئناف إصدار التأشيرات المختلفة، ما عدا تصاريح العمل، يمثل استجابة في اللحظة الراهنة لمقتضيات التوازن بين الاعتبارين السابق ذكرهما، حيث أصبح تحقيق هدف الحفاظ على الأرواح والوقاية من الإصابة متاحاً في ظل تخفيف القيود، في الوقت الذي أصبح فيه اعتبار استعادة الزخم والقوة للنشاط الاقتصادي وجهود التنمية أكثر أهمية وإلحاحاً، وسوف تستفيد قطاعات متعددة مثل النقل الجوي والخدمات والسياحة وتجارة التجزئة من القرار الجديد، إلى جانب البعد الإنساني المرتبط بقدرة المقيمين في الدولة على استضافة أهليهم وذويهم، بعد أن حالت الظروف دون ذلك خلال الأشهر الماضية.
ومن دون شك، فإن منظومة فحوص الكشف عن فيروس «كوفيد–19» المتطورة في الدولة تمثل حائط صد مهماً ضد إمكانية انتشار الفيروس عن طريق القادمين من الخارج، بالنظر إلى الإجراءات الدقيقة والحاسمة التي أقرتها الدولة في التعامل مع القادمين إليها عبر المطارات والمنافذ المختلفة، إلى جانب التفوق الواضح للدولة في هذا المجال، حيث تتصدر دول العالم في عدد الفحوص التي تُجريها قياساً إلى عدد السكان، وتضمن العوامل السابقة أن الإجراءات الجديدة تفتح الطريق نحو التعافي الاقتصادي الكامل، من دون أن تخل بهدف توفير أقصى درجات الحماية والوقاية لكل من يقيم على أرضها.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية