من «المصالح والمقاصد» الذي يجب اليوم التفقه فيها، وإعطاؤها مزيدًا من التوضيح والبيان، وغرسها في الأجيال، وجعلها محل التحصيل لا الإهمال، مصالح الوطن وثوابته، لأن المصلحة الوطنية العليا من المصالح المعتبرة في الشرائع والأديان، فهذا النوع من المصالح يأتي في رتبة المصالح الكلية الكبرى، والإخلال بها يؤدي إلى الإخلال بمصالح كلية أخرى مرتبطة بحفظ الدين والمال والنفس والعقل وغيرها من الضروريات، فليست هذه المصالح مصالح جزئية يُرجع فيها إلى آراء الأشخاص أو تترك للأفراد، بل تقديرها يرجع إلى أمور كلية تنتظم مع الوطن الآمن المستقر الذي يسعى إلى صيانة مصالحه.
إن «علم المصالح والمقاصد» من العلوم التي اهتمت بها الدراسات الإسلامية المعاصرة، ورغم اختلاف مناهج رواده ومشاربهم، إلا أن غالبهم كادوا يتفقون –للأسف- على إغفال -المصلحة الوطنية- في اعتبارات المصالح، لأن الحديث عن هذه المصلحة يستلزم الإيمان بالدولة الوطنية، وهذا الأصل الأصيل من أهم ما غُيِّبته هذه الدراسات. 
والمصلحة كما عرفها علماء الأصول «هي عبارة عن جلب منفعة أو دفع مضرة»، فهي كالمنفعة وزنًا ومعنى، وتعاليم ديننا الإسلامي لم تأت بالعنت والمشقة على المكلفين، بل جاءت متناسقة مع الفطرة الإنسانية، تخاطب عقل الإنسان للفهم حسب قدراته، وتراعي شعوره تجاه وطنه، وعلاقته بالأرض التي تَرَبَّى عليها وأَحَبَّها، ومن ثم فهي تحقق مصالحه وتدرأ عنه المفاسد، والنصوص الشرعية كلها تدل على أن مراعاة المصالح واجتناب المفاسد مطلوب ومرغوب، لأن الشريعة مبنية على المصالح كما قرر العلماء.
ومن الأصول المعتبرة في المذهب المالكي دليل المصالح المرسلة الذي يعني أن هناك مصالح في كل زمان ومكان لم يعتبرها الشرع، كما أنه لم يلغها، فهي دليل شرعي يجب العمل به متى تعين ذلك، وتحرم مخالفتها، وهذه المصالح المرسلة حجة لدى جميع المذاهب كما قرر القرافي وغيره. 
إن المصلحة الوطنية فوق جميع الاعتبارات، فهي الموحِّدة والجامعة لجميع أفراد الوطن والدولة الواحدة، على اختلاف أجناس أهلها وأعراقهم وأديانهم، ولكنها تتميز بأنها يتفق عليها الجميع ويسعون لتحقيقها وحمايتها، والعمل الدؤوب على تقدمها، ولأهميتها جعل الله تعالى هذه المصلحة من حق الحاكم واختصاصه، فهو القادر حصرًا على اتخاذ القرارات التي تحقق هذه المصلحة، فهو المدرك الحقيقي للأولويات والضروريات، وما يعود على بلده وشعبه بالخير، ويرى الأفق البعيد، ويفهم حق الفهم المستجدات الدولية، ويُعد لكل أمر عدته، ويحسن التخطيط، ويرتب العلاقات، ويراعي المصالح ويوازن بينها ويقدم الأهم على المهم، وهذا كله داخل في مصطلح «مراعاة المصالح» عند علماء الأصوليين.
وللقاضي المؤرخ عبد الرحمن ابن خلدون (808هـ) نص مهم في أهمية تدبير المصالح للحفاظ على العمران والاستقرار، حيث يقول: (وأمّا سياسة الدّنيا فبمقتضى رعايته لمصالحهم في العمران البشريّ، وقد قدّمنا أنّ هذا العمران ضروريّ للبشر، وأنّ رعاية مصالحه كذلك لئلّا يفسد إن أهملت، وقدّمنا أنّ الملك وسطوته كاف في حصول هذه المصالح).
ومن الأصول المقررة عند أهل الشأن أن العلاقات الدولية قائمة على المصالح، فالعهود والاتفاقيات، من اختصاص الحاكم دون غيره، يبرمها بحسب ما تمليه عليه مصلحة وطنه، وقد ختم الله آيات صلح الحديبية في سورة الفتح بقوله تعالى: (وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) إشارة إلى ما في المعاهدات والصلح من وجوه المصلحة، وإحلال السلم وتخفيف التوتر، كما نبه على ذلك المفسرون. 
فهذه المعاهدات، والمواثيق في هذا العصر الذي تحيط به التحولات والمستجدات من كل جانب، تُحقق للأفراد الطمأنينة والسكينة، وتنعش التنمية، وتفتح الأسواق وتبادل المنتجات، وتوثق روابط التفاهم والتعاون، وتوطد القيم الإنسانية والخير للبشرية، وترسي الأمان والسلام في ربوع العالم كله. ولمثل هذه المصالح تَمَنى النبي صلى الله عليه وسلم حضور معاهدة من معاهدات السلام قبل الإسلام، حيث قال:«لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمُرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الْإِسْلَامِ لَأَجَبْتُ».
فعلى الأوفياء لأوطانهم المحبين لقيادتهم، الطاعة والرضا والمحبة والتوقير والدعاء لحكامهم، واليقين بأنهم يجتهدون لرفعة شؤون أوطانهم، ويعملون على استقرارها وحفظ مصالحها، فاللهم احفظ قيادة دولة الإمارات واحرسها بعينك التي لا تنام، ووفقها إلى كل خير يا ذا الجلال والإكرام.