بين تركيا واليونان حدود بحرية لا تتعدى الميلين، وهي المسافة التي أقرت بين الدولتين عن طريق اتفاقية أقرتها الأمم المتحدة في ثمانينيات القرن الماضي، ولم توقع عليها تركيا، فبقى الوضع على حاله، حتى اختلط حابل اكتشاف الغاز بنابل النفط في شرق البحر المتوسط.
وليس أمام تركيا وفقاً لهذا الوضع بالغ الحساسية إلا القبول بأمر واقع في منطقة حسمت حدودها أممياً منذ عقود، لكن الرئيس التركي ذهب في اتجاه مضاد، عندما أكد أن بلاده عازمة على تحصيل ما يحق لها الحصول عليه في بحار إيجه والأسود والأبيض المتوسط. وأضاف في خطاب حماسي، خلال مراسم احتفال بالذكرى السنوية لمعركة ملاذكرد: «لا نطمع في أراضي وسيادة ومصالح الغير، لكننا لن نتهاون مع من يستهدف أراضينا وسيادتنا».
وفي نفس الاتجاه، ذهب نائب الرئيس التركي متهماً الاتحاد الأوروبي بقوله: «إن دعوة الاتحاد للحوار في شرق المتوسط، وسعيه لمخططات أخرى من جهة ثانية، كل ذلك يعد دليلاً على عدم صدقه»، وأضاف أوقطاي: «عندما يتعلق الأمر بحماية حقوق ومصالح تركيا، لا نتردد في فعل ما يلزم».
ويبدو أن هذا الخطاب والتحركات التركية، كل ذلك أدى باليونان لإجراء مناورات عسكرية حية في مقابر التركمان، وفي القرية التي وفدوا إليها منذ فترة الخلافة العثمانية، في رسالة مباشرة تنم على استعداد اليونان لخوض حرب مع تركيا، إن هي مضت في عبور الخطوط السيادية لليونان. هذا وقد بدأت اليونان القيام بمناورات عسكرية كبيرة حول جزيرة كريت، حيث وسَّعت البحرية التركية مهمتها الاستكشافية عن موارد الطاقة وسط تصاعد التوتر بشأن احتياطيات الغاز والبترول هناك، وانضمَّت إلى المناورات فرقاطات يونانية، مما يثير مخاطر احتمال وقوع حادثة كالتي وقعت قبل أكثر من أسبوعين، عندما اصطدمت فرقاطة تركية وسفينة حربية يونانية أثناء إجراء اليونان وفرنسا مناورات مشتركة.
وتكمن جذور خطوات تركيا التوسعية في شرق المتوسط، والتي تشمل عمليات تنقيب عن الغاز وتحريك سفن حربية، في نظرية «الوطن الأزرق» التي تشمل السيطرة على مساحات مائية يطالب بها جيرانها اليونانيون، في وقت أصبحت تخشى فيه أنقرة حرمانَها من ثروات المنطقة الوافرة من الغاز الطبيعي، حيث أرسلت تركيا سفينةَ أبحاث وأسطولاً بحرياً إلى مناطق تعتبرها اليونان تابعة لها بموجب القانون الدولي.
وأكدت تركيا على أن سفينتها الاستكشافية «أوروتش رئيس»، ستجري عمليات مسح زلزالي في منطقة متنازع عليها بشرق البحر المتوسط، في خطوة من شأنها أن تؤجج التوتر في المنطقة. 
بالمقابل تذهب اليونان إلى ما أشار إليه وزير ماليتها، من أن بلاده مستعدة لإنفاق جزء من احتياطاتها النقدية لدعم قواتها المسلحة هذا العام، وذلك بعد سنوات من تطبيق سياسة تقشفية في الإنفاق الدفاعي.
أما عن الدوافع الحقيقية لمضي تركيا في هذه المجازفات، فقد ألمحت إليه مجلة «فورين أفيرز»، عندما ذكرت أن الرئيس التركي يصعّد مغامراته الخارجية في محاولة منه لكسب مزيد من التأييد في الانتخابات المقبلة، ولتفادي تدهور الأوضاع الاقتصادية نتيجة انهيار الليرة وارتفاع الأسعار بشكل كبير، وأشارت المجلة إلى أن أردوغان يدرك أن قاعدته الشعبية بدأت تتآكل، وأنه يسعى لفعل أي شيء من أجل إعادة بنائها، حتى وإن استمر عدد خصومه بالارتفاع وأثارت أفعاله إدانات دولية واسعة.
وتأكيداً على نهجه التصعيدي، زعم أردوغان أن «اتفاقية ترسيم مناطق الصلاحية البحرية» بين مصر واليونان لا قيمة له، وأضاف: «لسنا بحاجة للتباحث مع من ليس لديهم أي حقوق في مناطق الصلاحية البحرية»! 
لكن مصر لم تبق صامتة أمام هذه المواقف والتحركات الاستفزازية التركية، بل اعترضت عليها بشدة، واصفة إياها بأنها اعتداء على حقوقها السيادية.