بعد مرور قرابة عقدين على هجمات 11 سبتمبر 2001، التي استهدفت الولايات المتحدة الأميركية، ما زال السؤال الجوهري الرئيسي، لم يحصل على إجابة: كيف ومتى خططت «القاعدة» هذا العمل الإرهابي، دون أن تعلم أي من أجهزة الاستخبارات في العالم على معلومة واحدة تفيد بحقيقة تخطيط تلك العملية، التي أودت بحياة أكثر من 3 آلاف شخص، خلال ساعة واحدة؟
لن نناقش قضية المؤامرة، ولن نتوقف عند السيل الجارف من التحليلات، ولكننا وحسب ما صرح به معظم قيادات أجهزة الاستخبارات العالمية آنذاك، فإن تلك العملية كانت تشكل صدمة استثنائية، ليس لأنهم لم يتمكنوا من الحصول على معلومة واحدة تفيد بتخطيط ذلك العمل الإرهابي المشين، بل لأنهم أكدّوا جميعاً عجزهم عن مجرد التنبؤ بوقوع حدث مماثل، ولم يتخيلوا أبدا وقوع هجمات مشابهة بهذا الحجم، على دولة متقدمة استخبارياً، كالولايات المتحدة.

هذه هي حقيقة وواقع العالم الذي نعيش فيه، أخبار مفزعة هنا وهناك، تطارد الآمنين صباح مساء، وتقلق مضجعهم، ولا يمكن لأي فرضية أو نظرية أمنية، مهما بلغت دقتها، أن تتنبأ بعملية إرهابية، أو حرب خاطفة مدمرة، يقودها أحد الذين خسروا للتو كل ما لديهم، وقرر ارتكاب حماقة على مبدأ «عليّ وعلى أعدائي»، ولكن يمكن ضمان عدم حدوث ذلك، ضماناً قاطعاً، من خلال مسارات متوازية، تعمل جميعاً، كماكينة واحدة عملاقة، دون توقف.

المسار الأول، هو تخليص المجتمعات من الجماعات الإرهابية، بكافة أشكالها وأنواعها، سواء بتحقيق العدالة المجتمعية وتثقيف الشباب وإشغالهم بما هو مفيد، ودفعهم بهدوء لتحقيق الإنجازات وفتح الآفاق والفرص الواعدة أمامهم، أو بوأد مشاريع القيادات الإرهابية، وتجفيف مصادر تمويلهم ومحاصرتهم ومحاكمتهم دون شفقة أو رحمة، وبما يضمن خلو المجتمعات، بشكل كامل من أيّ من مظاهر التطرف، مهما بدا بسيطاً، أو غير ذي شأن.

المسار الثاني هو دعم الأجهزة الاستخبارية بكافة الوسائل التقنية المتقدمة، لتتمكن من رصد أية حركة أو توجه، قد يستهدف أمن المجتمعات، ويشمل ذلك مراقبة صارمة لما ينشر على وسائل التواصل الاجتماعي من خطاب كراهية يعبر عن وجود هؤلاء الأفراد أو الجماعات وقدراتها وإمكانياتها، وتحريك القوى الناعمة للمساعدة في ذلك، ونشر الوعي المجتمعي بأن كل مواطن أو مقيم هو جزء من هذه المنظومة التي تعمل على حماية أمن بلاده ومجتمعه وأسرته، حتى لو كان ذلك المتطرف شقيقه الذي تبدو عليه تلك العلامات المبكرة، وكذلك تفعيل تبادل قواعد بيانات مع أجهزة الاستخبارات الشقيقة والصديقة، لضمان عدم مرور أو عبور «ذبابة واحدة» لديها نوايا خبيثة.

المسار الثالث، هو في العمل الجاد والمتقن، كما فعلت الإمارات مؤخراً، في توقيع اتفاقيات سلام مع الدول المجاورة في الإقليم، تلك الاتفاقيات التي من شأنها تقديم «الضمان الكلي» بأن أيّ تهديد مستقبلي، سيجعل من الشركاء والحلفاء- ومن يرتبط منهم باتفاقيات وتحالفات أو تفاهمات- جبهة إذا لم تكن مساندة، فهي على الأقل جبهة محايدة، إضافة إلى الأهمية القصوى التي تضيفها تلك الاتفاقيات من سلام وتآخٍ ومحبة بين الشعوب، وتساهم بقدر كبير في الازدهار الثقافي والاجتماعي والاقتصادي.

الدرس الإماراتي، الذي شهده سبتمبر 2020، جعل إقليم الشرق الأوسط، يستفيق من «الغيبوبة»، التي قيدته طيلة سبعين عاماً، ودون أن يلاحظ العقلاء والطيبون، عبثت قوى الإرهاب، شرقاً وغرباً، فحطمت أجيالاً كثيرة، تاهت في ظلمات العاطفة وبقيت حبيسة تبحث في أدراج الاختلاف ونقاط الخلاف ومناطق الصراع والنزاع، فلم تتعلم من الماضي، ولم تفكر في المستقبل، ولا في الأجيال القادمة، ولكنها اليوم، وفي المدرسة الإماراتية، وبعد حصتين في العلوم، واحدة حول كوكب المريخ، والثانية حول الطاقة النووية، أدركت أن الدروس الإماراتية، في المجالات السياسية والاقتصادية، تستحق التوقف والمراجعة، وأنها الأمل الوحيد، لأجيال المستقبل.

بكل فخر، تعلمنا في مدرسة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، أن نفكر دائماً في الأجيال القادمة، وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة لتأمين مستقبل آمن وواعد لهم، بالاستثمار في التعليم، وبناء اقتصاد متنوع ومتين ومستدام، لا يعتمد على النفط، وفتح الآفاق الواعدة لهم، والتي تسهم في تعزيز مقومات وقدرات دولة الإمارات، وتقيم العلاقات المتوازنة التي تضمن لهم جميعاً، وبشكل قاطع، العيش بأمان وسلام.