كلنا- نحن البشر- سواسية، ولا فرق بيننا إلا بقيمة وأهمية ما نحمل من أفكار بنّاءة وبما ننتج. وإنْ كانت القدرة الإلهية قد ميزت بعضنا عن بعض من ناحية القدرات الجسدية والذهنية؛ فإنها منحت أولئك الذين يعانون من إعاقةٍ ما أكثر مما منحته لنا، نحن الأصحاء، فما بالنا لا نحتسب ذلك، وما لنا نستضعفهم، ونحن الذين نعتقد أننا أكمل منهم، مع العلم أنهم يمتلكون ما لا نمتلكه من طاقات ومهارات وإرادات.
يدّعي البعض أنهم ينصفون أبناء تلك الفئة مهما كانت نوعيات الإعاقات التي يعانون منها ودرجاتها، إلا أن الواقع يقودنا إلى تفنيد ادعاءاتهم تلك، البعض يعاملون أصحاب الهمم أسوأ معاملة، حتى وإن كانوا من أصلابهم، أو من ذوي القربى، ويستغلونهم أبشع استغلال، ويركنونهم في زاويا مظلمة خلف الأبواب، ويحرمونهم من أبسط حقوقهم. وكم سمعنا عن أشخاص مهملين من قبل ذويهم وأقربائهم، فقط لأنهم غير قادرين على الحركة، أو لأنهم يعانون من مشكلات عقلية. وكم شاهدنا حالات تكسر القلب وتُدمع العين؛ إذ تُرك هؤلاء الأفراد لمصائرهم ضمن أجواء من الإهمال الشديد، فأصبحوا مغيبين تماماً عن الحياة التي يحياها سواهم من الأصحاء، وهذا الأمر ينطبق على كثير من الدول التي لا تهتم بتلك الفئة، لكنها تدّعي غير ذلك.
من يتابع تجربة الإمارات بالنسبة لأصحاب الهمم، سيجد أنها وضعتهم في بؤرة اهتمامها، ولم تدخر جهداً لتعليمهم ودمجهم في المجتمع، وهي ليست جديدة العهد في ذلك، إنما بدأت جهودها في هذا الميدان منذ عقود، وهي مستمرة في دعم تلك الفئة، وتوفير أفضل الخدمات لها. 
وقبل أيام، أطلق صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، الاستراتيجية الشاملة لأصحاب الهمم في إمارة أبوظبي 2020- 2024، وأكد على استمرار الالتزام بتمكين هذه الفئة وتحقيق طموحاتها، وهو الذي أصدر قبل ذلك قراراً بتوفير الدعم الصحي الكامل لهم، مركّزاً على أهمية توفر المراكز الوطنية المتخصصة والمجهزة بأحدث التقنيات التي تسهم في الكشف المبكر عن الأمراض والإعاقات الوراثية، وتعمل على علاجها بهدف الحد منها.
وتأتي الاستراتيجية في سياق ما سبقها من مبادرات محلية وعالمية، ومن بينها مبادرة مكافحة مرض شلل الأطفال التي أطلقها سموه، وتقديمه في يوليو الماضي 25 مليون دولار دعماً لبرنامج (الأبطال المتضامنون في المدارس)، للإسهام في التوسع العالمي في مجال دمج الشباب من ذوي الإعاقات الذهنية مع زملائهم في المدارس، وهم الذين يمثلون شريحة واسعة من المجتمع العالمي، حيث يوجد ما يزيد على 65 مليون فرد معاق ذهنياً، وجميعهم محرومون من أنظمة التعليم وبرامجه، بدءاً من المرحلة الابتدائية. وبالنظر إلى خريطة الوطن العربي والمنطقة عموماً، ودراسة أوضاع ذوي الإعاقات فيها، سنجد أن أوضاعهم فيها متردية، فلا خدمات مقدّمة لهم تراعي حالاتهم، ولا تعليم موازٍ لتعليم أقرانهم، ولا تطوير لإمكاناتهم ومهاراتهم، ولا احترام لحقهم في العمل والعيش كبقية الناس، وفي المقابل سنجد أن الإمارات من الدول التي احتلت مركزاً متقدماً في الاهتمام الكامل بذوي الإعاقة، إنما لم نقل إنها الأولى في ذلك، وقد كان إنشاء مؤسسة زايد العليا للرعاية الإنسانية وذوي الإعاقة في إمارة أبوظبي عام 2004، أحد أبرز الأمثلة على ذلك الاهتمام.
وفي السياق ذاته، تأتي استراتيجية أبوظبي 2020-2024 لتعكس تركيز الحكومة على رفع الوعي المجتمعي بالإعاقة، بناء على النموذج العالمي الداعم لحقوق المعوقين، وتطوير آليات تمكينهم، وضمان تقديم خدمات متكاملة وذات جودة عالية لهم في القطاعين الحكومي والخاص، وتأهيلهم مهنياً وتدريبهم وتنمية مهاراتهم، وتشغيلهم بما يضمن كراماتهم كبشر، وبالتالي الاستفادة من طاقاتهم ليكونوا أفراداً منتجين، ومنحهم الفرصة للإسهام في التغيير الاجتماعي. وإن تحقق كل ما سبق، فإننا سنكون قد كسبنا فئة جديدة في سوق العمل، وبالتالي وصلنا إلى تحقيق العدالة الاجتماعية لها، أسوة بسواها من الفئات.