كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب إطلاق وصف «المقاتل العظيم» على صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله. وفي التكرار مغزى تتعين الإحاطة به، خاصة مع هذه التحولات الشرق أوسطية التي تعمل على تغيير جيوسياسي جذري لم يكن ليحدث لولا شجاعة وإقدام الشيخ محمد بن زايد ورؤيته السياسية لواحدة من مناطق العالم استدامت فيها الصراعات والحروب.
صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد له رؤية واضحة تترجمها الدبلوماسية الإماراتية في مختلف قضايا المنطقة، فسموه يرى أن صعود التيار الإسلاموي بشقيه السني والشيعي كان المحفز للعصبيات المذهبية والطائفية. فمنذ أربعة عقود شكلت إيران تحدياً وجودياً لدول المنطقة، كما شكل ما يسمى «الصحوة الإسلامية» تحدياً وجودياً آخر، نظراً لاتخاذ كلا الاتجاهين مسلك العنف والإرهاب لتحقيق أهدافه عبر إسقاط الدول الوطنية وإنشاء كيانات هشة بديلة عنها.
وفي سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي شكّلت الحربُ الأهلية اللبنانية والحربُ العراقية الإيرانية وجهَ الشرق الأوسط الذي ظل مشدوداً متوتراً في صراعات مستدامة وجدت فيها تياراتُ الإسلام السياسي فرصتَها. فالبيئة كانت تقبل إنتاج مختلف أشكال التطرف والإرهاب في ظل قدرة تلك التيارات على توظيف التوازنات بتغييب الدول الوطنية والسيطرة على توجهاتها، كما فعل تنظيم «الإخوان المسلمين»، وصولا إلى هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 ثم إعلان دولة «داعش» المزعومة.
ولم يأت ما يسمى «الربيع العربي» من العدم بل جاء من خلفية التشدد والتطرف الممول من دول تحمل مشروعات توسعية تحاول إظهار فشل الدول الوطنية. هذا الواقع لم يمنح للشرق الأوسط فرصاً حقيقية للتنمية، وهنا أظهر الشيخ محمد بن زايد شدة بأسه في معركة مفصلية تتطلب أكثر من مقاتل شجاع، فمع الشجاعة يجب استحضار الرؤية والأهداف. ولم تكن المواقف السياسية الإماراتية من ثورة 30 يونيو المصرية، والانخراط في عمليات «عاصفة الحزم» إلى جانب السعودية، ومشاركة القوات المسلحة الإماراتية قوات «درع الجزيرة» لدعم الموقف السيادي لمملكة البحرين.. غير منعطفات أكدت ما يمتلكه الشيخ محمد بن زايد من قوة شخصية وثبات على رؤية تغيير الشرق الأوسط.
بسقوط دولة الخلافة المزعومة كان لابد من تغيير التوازنات الشرق أوسطية، فتشكيل محور الاعتدال العربي (الإمارات ومصر والسعودية والبحرين) جاء من مقتضيات الضرورة لمواجهة الأطماع الإيرانية والتركية ولتقليم مخالب التنظيم الدولي لـ«الإخوان».. وكل هذا تزامن مع زيادة في نمو الوعي المعرفي عند شعوب الشرق الأوسط لقبول التعايش بدلا من الصراعات. إنها استراتيجية شاملة أظهرت نجاحها مع استيعاب شعوب المنطقة لقبول مبدأ التعايش والانفتاح على الثقافات، سواء المحلية أو العالمية، كمؤشر يؤكد أن رغبة الشعوب في الخروج من الأزمات والصراعات باتت أولوية شعبية ستعزز من قوة الدولة الوطنية.
هذه الأرضية هيأت للخطوة الأهم بتغيير قواعد التوازنات في الشرق الأوسط بعقد معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، ما أحدث تغييراً في طبيعة التوازنات. فقد أضافت الإمارات عنصر الواقعية السياسية بتقديم المصالح الاقتصادية والمشاركة الأمنية على كل الاعتبارات التي كانت قائمة، ومنها تسلل اليأس في شعوب المنطقة لعدم القدرة على تحقيق سلام واقعي يعطي الشعوبَ الأمنَ والاستقرار والكرامةَ.
يمتلك صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد شخصية جسورة تجاوزت كل المراحل، وفرضت رؤيتها في تغيير ما كان مستحيلاً ليصبح ممكناً. وقد نجحت هذه الرؤية في تحجيم التدخلات الإيرانية وإجبار طهران على مواجهة سياسات واشنطن بما فيها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، مما عمل على تأطير التوازن الإقليمي في ولاية الرئيس ترامب الأولى.
لقد منح الشيخ محمد بن زايد شعوب الشرق الأوسط فرصةَ الحياة بسلام  في القرن الحادي والعشرين بطي صفحة الحروب والأزمات واستبدالها بالتنافسية في المعرفة والاقتصاد والتنمية. هذا هو المقاتل العظيم الذي خاض المعارك ليرسم خارطة شرق أوسطية تتسم بالاعتدال وتعايش الشعوب. وينتصر المقاتل بأسلحته المستمدة من عقيدته التي لا تعرف المستحيل.

*كاتب يمني