مع توقيع معاهدة السلام رسمياً، يوم أمس، بين الإمارات وإسرائيل برعاية واشنطن، وإعلان البحرين مؤخراً عن اتفاق سلام مع إسرائيل، يكون العالم العربي قد دخل مرحلة غير مسبوقة ستشهد تطوراً جيوسياسياً جديداً، في ظل المعطيات السياسية المتغيرة بمنطقة الشرق الأوسط. وبالرغم من عدم وجود حدود جغرافية مشتركة بين الإمارات وإسرائيل، فإن الانعكاسات الإيجابية ستكون على كافة الصعد، وأهمها الصعيد السياسي، وذلك من خلال خفض التوتر بمنطقة الشرق الأوسط، وإعادة تشكيل نظام إقليمي أكثر استقراراً، فإن التكيف مع حتمية وجود لاعب مهم في المنطقة، كإسرائيل، سيكون عاملاً مهماً في الحد من تنافس الأقطاب العالمية على النفوذ والقوة في المنطقة، والتي ستؤدي في نهاية المطاف، إلى توازن القوى الإقليمية، وإيقاف التدخلات الإقليمية التي تلحق الضرر بالمنطقة العربية، خاصة بعد تنامي الطموحات العثمانية، وغيرها التي ظهرت مؤخراً، أعقاب التصدع الداخلي للدول العربية، الناجم عن تنامي خطر الإسلام السياسي وما أسفر عنه من تفشٍ لخطاب الكراهية.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتعد دولة الإمارات ثاني أكبر اقتصاد عربي بناتج محلي يزيد على 400 مليار دولار، فإن إقامة علاقات اقتصادية مع إسرائيل ستعزز رؤية أبوظبي 2030 ومئوية الإمارات، عبر مجالات تعاون مشتركة، تتضمن اقتصاد المعرفة القائم على التكنولوجيا المتقدمة. وهذه العلاقات تدعم التنويع الاقتصادي في مجالات التكنولوجيا والاتصالات وتحلية المياه والقطاع الطبي والزراعة المتقدمة. وفيما يخص قطاع النقل الجوي في الإمارات، إذ يمكن أن تجتذب شركات وطنية مثل «طيران الإمارات» و«الاتحاد للطيران» الركاب الإسرائيليين، كوجهة لإبرام الصفقات والأعمال، والترويج للسياحة المباشرة بين البلدين. وعلى الصعيد الاجتماعي، فإن الصورة الحديثة لدولة الإمارات تمثل رسالة في التسامح والتعايش يجمع البشر في مكان واحد، ويمكن إيصالها إلى الناس على مستوى العالم. وفي تصوري، سيشهد المجتمع الإماراتي زيادة كبيرة في الطلب على السفر إلى القدس لأداء الصلاة في المسجد الأقصى الشريف، واستقبال الإسرائيليين في بيت العائلة الإبراهيمية الذي تقرر بناؤه في أبوظبي، مما يؤكد على دور الإمارات كجسر للتواصل بين الشعوب من مختلف الأديان والثقافات والجنسيات، في ظل غياب التنظيمات الدينية المتطرفة والعنيفة داخل دولة الإمارات. 

وبالرغم من أن الإمارات ليست طرفاً مباشراً في الصراع العربي- الإسرائيلي، فإن تاريخها المشرف يثبت دعمها القوي وغير المشروط للحقوق الفلسطينية. ولا يكاد يختلف أحد أن هناك مسائل أخرى خطيرة وهي التهديدات الإقليمية للأمن العربي الشامل. كما أن حماية ما بقي من الدولة الفلسطينية من المتاجرين بالقضية، وتغليب المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني، أولوية مطلقة نحو المضي قدماً في تحقيق آمال الشعب الفلسطيني. 
عصر جديد يبدأ ضمن رؤية إيجابية للمستقبل. وفي ظل الإطار الجماعي للدول العربية، لن يحدث من قبل أن تتوقف إسرائيل عن ضم أراضي الضفة الغربية إليها، مثلما فعلت الإمارات عبر فرصة معاهدة السلام، ووقف الضم سيسهم أيضاً في إقامة دولة فلسطين على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما ينعكس إيجابياً على أمن وازدهار شعوب المنطقة. 
*باحث إماراتي في القضايا الجيوسياسية