الشعب الفلسطيني الذي يعيش في قلب الحدث هل هو مطّلع بكل شفافية على خفايا الأمور في كواليس السياسة لدى من يدير الدفة في الجانب الفلسطيني من مختلف الأطياف السياسية وواقع الحال وما وراء التصريحات الرنانة؟ وما هي السبل والمصادر والوسائل المتوفرة للشعب الفلسطيني لتكوين دولة تنموية بعيداً عن إبرام اتفاق سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط؟ فالأغلبية في الأراضي الفلسطينية من الأطفال ومن هم في سن الشباب، فكيف ينظرون للمستقبل؟ ومن يملك لهم الحلول والبدائل لغداً أفضل؟ فوفق الجهاز الـمركـزي للإحصاء الـفلسطيني إن المجتمع الفلسطيني فتيّ وأكثر من ثلث سكانه دون 15 سنة، وتقدر نسبة الأفراد في الفئة العمريـة (0-14 سنة) في منتصف العام 2019 بحوالي 38% من مجمل السكان فـي فلسطين، بـواقع 36% في الضفة الغربية و42% في قطاع غزة. ويلاحظ انخفاض نسبة الأفراد الذين تبلغ أعمارهم (65 سنة فأكثر) حيث قدرت نسبتهم في منتصف عام 2019 بحوالي 3% في فلسطين وهم من يقرر اليوم مستقبل الشعب الفلسطيني، ويحلم ويفكر ويطمح بالنيابة عن الشعب!
والغريب أن القيادة الفلسطينية في اجتماعها الأخير مع مختلف الفصائل كانت تشجب اتفاق السلام الإماراتي وتهدد الفصائل دول الخليج العربي، وهي نفسها التي لم يصدر عنها كلمة واحدة عن الخيانة للقضية من قبل دول عربية فتحت مكاتب تمثيل تجاري إسرائيلي منذ التسعينيات، ومنها من زارها أحد الرؤساء الإسرائيليين السابقين في تلك الفترة، واليوم تعتبرها «حماس» نصيرة الإسلام والقضية!
ومن جهة أخرى، أولم يعتلي الرئيس محمود عباس منبر الأمم المتحدة قبل سنوات واعترف أمام العالم بالدولة الإسرائيلية؟ وهل كان ذلك لا يعتبر هدم للثوابت الفلسطينية؟ فالعلاقات مع إسرائيل ليست وليدة اللحظة، وقد مارسته على استحياء الحكومات الفلسطينية المتعاقبة بقبولها «حل الدولتين»!
وتوقيع اتفاق سلام مع دولة إسرائيل لا يعني أن الإمارات والبحرين لا تعترفان بالحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ولكنهما على العكس يحملان غصن سلام ويتطلعان لخدمة أحلام شعوب المنطقة ككل، في رسالة تسامح وقبول الآخر المختلف، وتسخير الدبلوماسية لبناء جسور تواصل دائم وتعاون نحو الصالح الإنساني على العموم بعد ما فشلت النزاعات والقوة في تحقيق ذلك.
فالرفض والشجب من دون حلول، أو الإدانة وأنت تقف مكتوف الأيدي والواقع لا يتغير، وتتجه الأمور فيه لتزداد سوءاً هو عبث سياسي لا يقبله العقل! ومن جهة أخرى تقع الدول الخليجية تحت تهديد مباشر وتُحاصر من جميع الجهات من دول تسعى لتتوسع على حسابها بأي ثمن، وهي عقيدة ثابتة في الدساتير والعقائد العسكرية والمصالح الكبرى لتلك الدول.
اتخذت الإمارات والبحرين قرارات تخدم مصالح أمنها الوطني في ظل الضياع والصدع العربي والبعد عن دبلوماسية الخطب إلى دبلوماسية الفعل لمساعدة الشعب الفلسطيني في حق تقرير المصير من خلال وسائل سلمية، لا تقف بوجها عائق القوى العظمى من خلال إشهار سلاح حق «الفيتو»، لعرقلة التعايش السلمي في المنطقة والوصول لتسوية عادلة، وذلك وفق القرارات الدولية بشأن فلسطين كقرارات مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وقرارات مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ويبقى اختيار الحياة والتنمية والتعايش السلمي مقابل الدمار والحروب، إنه خيار متاح للجميع، إنْ احترموا ما يتبع ذلك من التزام أدبي وأخلاقي لخلق مساحة مشتركة لتقديس روابط الأخوة الإنسانية نحو شرق أوسط أكثر سلاما ً واستقراراً وتبني قواعد جديدة للأمن الإقليمي.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات