فخامة الرئيس ماكرون، بالأصالة عن جميع محبي لبنان وفيروز، شكراً على تذكريك لنا والعالم بأن للبنان عنواناً أبهى من قبح ما صنعه ساسته به، ولو لا فنجان القهوة لما كان لنا أن نسعد بضوء ابتسامة السيدة التي غيبها واقع الفشل الذي لا يليق بلبنان وأهله، ولا داعي أن تلتفت لأمر اتهامك رعاية مصالح «حزب الله»، فالعرب موبوءة بداء المؤامرة. 
الذاكرة السياسية اللبنانية (الرسمي منها) يتسم بالبلادة التي تجاوزت حد التخشب، واليوم، ونحن في العاشر من سبتمبر، عشنا الحلقة الثانية وحريقاً جديداً في مرفأ بيروت، في حين أن هَم ساستها الأول هو استعراض قوة ما صنعوه من دولةٍ فاشلة، الإرادة الوطنية ضيعها التشظي بين الطوائف والملل، العتيق منها والمستحدث، وحتى جريمة الرابع من أغسطس، والتي مثلت أبشع جريمة ارتهان سياسي لمدينة منذ الحرب العالمية الثانية، باتت شيئاً من الذاكرة، لذلك لم أستغرب يا فخامة الرئيس أن تتهم بما اِتهمت به، دون أدنى خجل من أقلام لطالما كانت لها مكانتها المعنوية في عجاج لبنان الأنيق.
«حزب الله» لم يكن منتجاً فرنسياً حتى تُساءل فيه فرنسا، وهو واقع لبناني بكل ما تعنيه الكلمة والتفاصيل حتى قبل «الطائف»، وسبب طرحه جزء من تلك المعادلة كان نتيجة وليس إفراطاً في حسن النوايا كما افترض البعض، كان المراد من ذاك الاتفاق تحقيق انطلاقة نحو تصالح لبناني لبناني لا تكريس لواقع حاضر، وأمل أن ينجح في التحفيز على مستقبل قادر على تحيد المؤثرات الخارجية على هويته الوطنية.
أزمة لبنان مثل المثل اللبناني (دود الخل منه وفيه)، وإن أرادت نخبة الاستمرار في تبني جهل الآخرين بفسيفسائه الاجتماعية السياسية، فإن من تبقى لهم من أصدقاء قد يقرر ترك لبنان ومصيره، و«حزب الله» لن يستطيع ممارسة زعرنته لو تمسك اللبنانيون بلواء «كلن يعني كلن»، ولكن للأسف تخلت الطوائف عن ذلك عند أول مفترق طريق، وحتى جريمة مرفأ بيروت التي أغضبت العالم، نجدها اليوم عنواناً هامشياً في سلسة فواجع لبنان اليومية، فلا غرابة أن نجد أصحاب الأقلام العتيدة مهمومين بالحكومة الجديدة، على أمل أن تكون خير سلف لمن انصرف.
كل أصدقاء الشعب اللبناني قد قالوا كلمتهم الفصل، وعلى اللبنانيين أن يسمعونا كلمته الفصل في الأمر، «حزب الله» يدرك أنه لا يملك أن يمارس زعرنته دون حساب، إلا أن على المجتمع الدولي والدول العربية قبلهم الإعلان عن أنها لن تقبل الاعتراف بأي حكومة يمثل فيها «حزب الله» قبل نزع سلاحه كخطوة أولى، وربما أنه من الواجب مراجعة تخفيض التمثيل اللبناني دبلوماسياً إلى مستوى دون السفارات، إلى أن يعي «حزب الله» أن لبنان دولة لن يسمح أصدقاؤها أن يبقيها هو منزوعة السيادة الوطنية.
لبنان اليوم ومستقبلاً سيكون جزءاً من معادلة متوسطية جديدة، لن تقبل بأنصاف الحلول، أو التعايش مع دولة فاشلة، لذلك يجب ألا يسمح بتغيب الإرادة الوطنية اللبنانية حتى وإنْ ارتأت طوائفه السياسية وجوب ذلك، فإن تعثر لواء «كلن يعني كلن» نتيجة الإعياء السياسي، فعلى القادر من أصدقاء لبنان أن يعيد التذكير به، أو أن تواجه طغمة الطوائف تحيد دولتهم الفاشلة الأنيقة. 
تحية لمتطوعي لبنان، الذين يجترحون الأمل رغم مرارات الألم، فأنتم عنوان لبنان القادم.
ــ ـ ـ ـ
كاتب بحريني