كشف وزيران بريطانيان في الأيام القليلة الماضية عن الضغوط المتعارضة التي تواجه الحكومة البريطانية في وقت تحاول فيه الخروج بالاقتصاد من أسوأ ركود في قرن على الأقل دون المغامرة بالدخول في موجة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا. فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني «دومنيك راب» يوم الأحد الماضي، عن المسعى الحكومي لدفع العمال للعودة إلى العمل مشتكياً من الضرر الذي تسبب فيه إغلاق الاقتصاد. وبعد ساعات من هذا، حذر وزير الصحة «مات هانكوك» من صعود في الآونة الأخيرة من حالات الإصابة بفيروس كورونا وسط الشباب مما قد «يؤدي إلى ذاك النوع من المشكلات التي رأيناها في وقت مبكر من العام». 
وارتفاع حالات الإصابة قد يقوض مسعى الحكومة إلى تشجيع الناس على العودة إلى مقار العمل بعدما أعادت المدارس فتح أبوابها على امتداد إنجلترا في الآونة الأخيرة. لكنها تمثل أيضاً علامة على الطريقة التي يهدد بها الشهران المقبلان إدارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في غمرة تحذيرات من مسؤولي صحة من احتمال تفشٍ جديد لكوفيد-19. ويوم الاثنين الماضي، السابع من سبتمبر، أعلن جورج أوستيس، وزير البيئة، أن الحكومة تريد تفادي إغلاقاً ثانياً على مستوى البلاد «بأي ثمن»، لكنه لم يستبعد احتمال حدوثه. 

وسجلت المملكة المتحدة 2988 حالة إصابة جديدة بكورونا يوم السادس من سبتمبر في قفزة بنسبة 64% عن اليوم السابق وهو أعلى مستوى منذ 22 مايو الماضي. وهذا رغم أن عدد الحالات الجديدة ينخفض نمطيا في نهاية أسبوع العمل محلياً لأن عمليات الإبلاغ عن إصابات تنخفض. وبلغ متوسط إصابات الأسبوع السابق على هذا، نحو 1600 حالة جديد يومياً. وتعهد «جونسون» بأن أي إجراءات لتحفيز الاقتصاد يتعين أن «تراعي خطر كوفيد» ولذا، فالزيادة المفاجئة ستؤدي على الأرجح إلى تراجع من نقابات العمال والعمال في الضغط من أجل العودة إلى مقار العمل. 

وأظهر تقرير لشركة «برايس ووترهاوس كوبرز» للمحاسبة نشر يوم الأحد أن الكلفة الاقتصادية السنوية للمملكة المتحدة الناتجة عن عمل الأشخاص عن بعد قد تبلغ 15.3 مليار جنيه إسترليني (ما يعادل 20.2 مليار دولار) نتيجة انخفاض الإنفاق لمن يعملون من المنزل وتأثير هذا على من يعتمدون عليهم في نشاطهم الاقتصادي. وقد يفرض احتمال الخروج البريطاني (بريكسيت) دون صفقة على حكومة جونسون تحدياً إضافياً في تحفيز الاقتصاد. وحذر منتجو السيارات، على سبيل المثال، أن أعباء زيادة الرسوم أو العراقيل على الحدود قد تجعل المصانع البريطانية أقل قدرة على المنافسة. وأعلنت شركة نيسان السابع من سبتمبر أنها ستجمد استثمارات بقيمة 400 مليون دولار في مصنعها في «ساندرلاند» لإنتاج الطراز الجديد من سياراتها الرياضية «قاشاقي». 
ويواجه «جونسون» أيضاً مطالبات من أعضاء حزبه «المحافظين» بتقديم شرح للطريقة التي ستمول بها الحكومة إجراءات التحفيز المختلفة التي اُتخذت أثناء الجائحة. وهناك جدل محتدم بشأن فعالية زيادة الضرائب لمعالجة الاقتراض في المملكة المتحدة في الوقت الذي يواجه فيه صناع السياسة تحديا لكبح الديون التي تضخمت إلى أكثر من تريليوني جنيه إسترليني للمرة الأولى. 
ووعد «ريشي سوناك»، وزير الخزانة البريطاني، «المحافظين» بأنه لن يكون هناك «عرض رعب» لزيادة الضرائب وترك لنفسه فرصة فرض زيادات مؤقتة لتغطية ديون الجائحة. وسيحاول «سوناك» و«جونسون» الحفاظ على تأييد الناخبين بخطة تقلص الضرائب الشخصية قبيل الانتخابات العامة المقبلة في البلاد المقررة في 2024 بحسب تقرير لصحيفة «صنداي تايمز» لم يذكر المصدر الذي استقى منه معلوماته. ويتوقع أن يعلن سوناك أن الحكومة يتعين عليها جمع الأموال لتغطية صفقات التحفيز، ومن المرجح أن تعزز ميزانية نوفمبر الأعباء على أصحاب الأجور الأعلى، وفقاً للتقرير. وقد يطبق تقليص الضرائب بعد ذلك في عام 2023 أو 2024. 

وهناك أيضاً جماعات مختلفة تطالب بتعزيز الإنفاق. فهناك مجموعة مؤلفة من 40 عضواً برلمانياً من حزب «المحافظين» تعتزم تقديم «قوة مهام أقوى» لدعم قضية تعهد الحكومة الانتخابي الرئيسي الخاص بدعم المناطق المحرومة من المملكة المتحدة. والجماعة التي تضم بعض المحافظين الذين انتخبوا لأول مرة العام الماضي، في مقاعد كان يحتلها نمطياً حزب العمال المعارض، استندت في هذا على بحث يوضح أن متوسط الدخل في مناطق المحافظين أقل الآن من المناطق التي يسيطر عليها حزب العمال. وذكر عضو البرلمان نيل أوبراي في تصريح بالبريد الإلكتروني «أزمة فيروس كورونا دعمت فحسب حجة تدعيم قوة العمل حتى يمكننا تحريك الاقتصاد في المناطق الأضعف. قوة مهامنا الجديدة ستمثل الرأس المحركة لقائمة الأولويات الحيوية تلك». 
*صحفي متخصص في الشؤون السياسية والاقتصادية. 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»