أحد أكثر الأسئلة احتداماً في النقاش وسط أصدقائي ومعارفي في الآونة الأخيرة، هو: هل أميركا تتجه إلى مستقبل يجري فيه إلغاء الجميع تقريباً؟ صحيح أن قوة وتأثير «ثقافة الإلغاء» و«التصويب السياسي» تزايدت على مدار السنوات القليلة الماضية، لكن لحسن الحظ، توجد قيود كامنة في هذه الحركات، وستثبت أنها عنصر مستدام في الثقافة الأميركية لكن دون أن تكون عنصراً مهيمناً، فكيف عرفت هذا؟ بالطبع لا أعرف، لكني أنظر إلى التأثيرات في الآونة الأخيرة التي كانت أكثر قدرة على جذب انتباه الشباب، وأول هذه التأثيرات هو بيئة لعبة «فورتنايت» التي بها نحو 350 ألف مستخدم على مستوى العالم. والثاني هو منصة مقاطع الفيديو القصيرة «تيك توك»، التي يوجد بها 80 مليون مستخدم نشط في الولايات المتحدة وحدها، وكلا المنصتين يمثلان عالمين كبيرين في حد ذاتهما، وكلاهما يرفضان التعميم المبسط، لكن لا بأس من القول إنهما ليسا قلاعاً للتصويب السياسي. 

والغرض الأساسي من المنصتين هو الترفيه عن المستخدمين، لكن الافتقار لروح الدعابة من سمات عصر ثقافة «التصويب السياسي»، وفي عالم يسيطر على انتباهه الترفيه، إلى جانب شبكات التواصل الاجتماعي، لن يصبح التصويب السياسي هو المؤثر الثقافي الأساسي، فماذا نستنتج من القوة المتنامية فيما يبدو لثقافة الرفض والحركات المتنسبة لها؟ وهنا نقطة محورية: مع صعود مواقع التواصل الاجتماعي والاتصالات منخفضة الكلفة، سيُقال كل شيء يمكن قوله، سواء على «تويتر»، وليس في نشرات الأنباء المسائية أو على «4تشان» (منتدى صور باللغة الإنجليزية) وليس على فيسبوك، لكن المشاعر ستكون موجودة وكثير منها سيكون مثيراً للقلق، والعالم بلغ مرحلة يتم خلالها نشر أو تسجيل كل بيان غير صائب سياسياً والرد عليه- ناهيكم عن كل بيان صحيح سياسياً والرد عليه، فرصد الخطاب أصبح أكثر شيوعاً بكثير عما كان عليه قبل 15 عاماً مثلاً، لكن الخطاب نفسه أصبح أكبر اتساعاً بكثير في نطاقه، والتصويب السياسي أصبح شديد القوة في الواقع، لكن هذا الكلام يصح أيضاً في كل شيء آخر، وكمبدأ عام يلاحظ الناس أن ما يقلقهم أكثر مما لا يقلقهم، ولذا فخصوم الصواب السياسي- وكاتب هذه السطور يضع نفسه في فئتهم- لديهم سلسلة لا تنقطع من النقاط يقلقون بشأنها، وأنا لا أشير أن هذه الدورة ستنتهي جيداً، لكنها تضع الأمور في نصابها. 
وهناك قضية بشأن الكيفية التي ستتعدل بها الأعراف الاجتماعية، للتوافق مع عالم يقال فيه كل شيء في كل وقت، وهذه الطريق لن تكون معبدة، لكن القلق بشأنها مختلف عن الخوف من أن يبتلع التصويب السياسي كل شيء ويلغي الجميع، وأنا لست من المتفائلين، بل أظن في الواقع، أن كبح جماح الفوضى والبلبلة الناتجين عن ثقافة قول كل ما تشاء، أصعب من كبح تطرف ثقافة قمع حرية التعبير عن الرأي، والولايات المتحدة نفسها لها قوة ناعمة أكبر في بعض التوجهات الحاسمة، بفضل دورها المركزي في البنية الأساسية الفكرية للإنترنت. ومن المثير للانتباه، على سبيل المثال، الطريقة التي تجاوب بها العالم كله لحركة «حياة السود مهمة». 

* أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ميسون 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»