في صباح يوم السبت الموافق 21 أكتوبر 2000، انطلق إلى الفضاء القمر الصناعي «الثريا-1»، على متن الصاروخ الروسي «سي لاونش زينت-3». و«الثريا-1» كان القمر الصناعي الأول الذي تطلقه دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الفضاء. 
واليوم، ونحن نقترب كثيراً من مرور عشرين عاماً على هذا الحدث الكبير، حققت الدولة تطوراً مشهوداً في مجال الأقمار الصناعية ومجالات أخرى تتصل بارتياد الفضاء واستكشافه خلال عقدين فقط؛ إذ يحتضن الفضاء الخارجي الآن كوكبة من الأقمار الصناعية الإماراتية تلت «الثريا-1»، وهي بترتيب تاريخ إطلاقها: «الثريا-2» عام 2003، و«الثريا-3» عام 2008، و«دبي سات-1» عام 2009، و«الياه-1» عام 2011، و«الياه-2» عام 2012، و«دبي سات-2» عام 2013، و«نايف-1» عام 2017، و«الياه-3» في يناير 2018، و«خليفة سات» في أكتوبر 2018، و«ماي سات-1» في نوفمبر 2018.
وتعكس رحلة الأعوام العشرين تطوراً مُطّرداً وتوسُّعاً على مستوى الكم والكيف. ولعل من الحقائق ذات الدلالات المهمة أنه بعد إطلاق ثلاثة أقمار صناعية إماراتية مصنوعة في الخارج، كان القمر الصناعي الإماراتي الرابع «دبي سات-1» ينطلق عام 2009 بإسهامٍ من المهندسين الإماراتيين في صناعته بنسبة 30%، وزادت هذه النسبة إلى 70% في القمر الصناعي «دبي سات-2»، الذي تميز بـ«تكنولوجيا مبتكرة تساعد على تعزيز التحكم بالدوران وزيادة السرعة بنسبة 300% مقارنةً بدبي سات-1». أما «خليفة سات»، فقد صُنع بأيدي المهندسين الإماراتيين بنسبة 100%. 
وتشير البيانات السابقة إلى أن جهود دولة الإمارات، من أجل تحقيق إنجازات علمية في قطاع الفضاء، ارتبطت بتنمية القدرات البشرية المواطنة التي أثبتت كفاءتها في سنوات قليلة، وانضمّت إلى كوادر إماراتية أخرى كانت تخوض التجربة نفسها في قطاعات ومشروعات صناعية وهندسية وتكنولوجية قائمة على الاستثمار في التعليم والتدريب والمعرفة الراقية، لتتشكّل عبر السنوات قاعدة علمية من الشباب المؤهّلين في فروع علمية وتطبيقية مختلفة، تمثل ركيزة قوية للتطور الاقتصادي والاجتماعي والتنمية المستدامة في الدولة.
وجديرٌ بالاهتمام أيضاً أن إسهام الجامعات والمؤسسات التعليمية في الدولة كان واضحاً في مجال الأقمار الصناعية النانومترية، وهي أقمار صغيرة الحجم تزيد قليلاً على كيلوجرام واحد. فقد بُني القمر الصناعي النانوي «نايف-1»، من جانب «مركز محمد بن راشد للفضاء» بإسهام من طلاب الهندسة الإلكترونية والميكانيكية وهندسة الحواسيب الإماراتيين المنتمين إلى مؤسسات تعليمية مختلفة، أبرزها الجامعة الأمريكية في الشارقة. وبُني القمر الصناعي "ماي سات-1" بجهود طلاب جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا ضمن «مختبر الياه سات للفضاء»، بهدف استخدامه في البحوث العلمية ومراقبة الأرض. وفضلاً عن الإعداد المبكر لطلاب التخصصات الهندسية المختلفة، فإن هذه الجهود ترسخ دور الجامعات بوصفها مؤسسات للبحث العلمي والتطوير، وهو الدور الغائب عن كثير من الجامعات العربية.
لقد اعتمد قطاع الفضاء الإماراتي أولاً على رؤية القيادة الرشيدة للدولة، التي وضعت منذ البداية أهدافاً كبرى، موقنة أن الإرادة والتخطيط السليم والاستثمار الجيد للموارد وحماسة أبناء الإمارات وقدراتهم الكبيرة، كلها عوامل تجعل تحقيق الأهداف ممكناً، مهما بَدَا صعباً في البداية. وهناك فرص لنجاحات أكبر مع وجود الأسس الراسخة والبنية القوية لقطاع الفضاء الإماراتي، متمثلة في دعم القيادة الرشيدة، ووجود الشركات والمؤسسات الناجحة مثل «وكالة الإمارات للفضاء«، و«مركز محمد بن راشد للفضاء«، و«شركة الثريا للاتصالات«، و«شركة الياه سات للاتصالات الفضائية»، إلى جانب خطط العمل والأطر التنظيمية والتشريعية، مثل «استراتيجية وكالة الإمارات للفضاء«، و«السياسة الوطنية لقطاع الفضاء»، و«القانون الخاص بتنظيم قطاع الفضاء». 
وبالطبع، فإن القاعدة البشرية المواطنة التي اكتسبت خبرات كبيرة، إلى جانب شبكة المؤسسات التعليمية المتطورة، والتطور المطرد في قطاعات علمية وتطبيقية أخرى في الدولة، تضيف إلى قوة قطاع الأقمار الصناعية، وتعزز التوقعات بمزيد من التقدم، ولاسيما أن سبعة أقمار صناعية إماراتية جديدة سوف تُحلّق إلى الفضاء خلال سنوات قليلة، لتكتب سطوراً جديدة في كتاب النجاح الإماراتي.

* عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتييجية.