تنبذ الفطرة الإنسانية السليمة العنف وتنفُر منه، وتميل بطبيعتها إلى كل ما يعبّر عن السلم والتعاون والمحبة بين بني الإنسان. وعلى امتداد التاريخ، كانت المواجهات والصراعات التي تكتسب الطابع الديني، بشكل خاص، سبباً في مآسٍ دفعت الشعوب والدول أثماناً باهظة لها من أرواح أبنائها ومقدراتها الاقتصادية وحقها في الحياة الكريمة الآمنة.
ومن منطلق إيمانها بدورها الحضاري وواجبها الأخلاقي والإنساني، كرَّست القيادة الرشيدة في دولة الإمارات العربية المتحدة جهودها ومكانتها وثقلها الإقليمي والدولي من أجل تفكيك ألغام الكراهية والتطرف التي تهدد المنطقة والعالم، إدراكاً منها لخطر الانفجار المحتمل لهذه الألغام المنبثّة في كل مكان. ووضعت الدولة نصْب عينيها التصدي للكراهية القائمة على أساس ديني، النابعة من تفسيرات منحرفة ومغرضة لتعاليم الدين، وذلك من خلال فتح المجال أمام خطاب إسلامي معتدل يُعبر عن سماحة الإسلام ووسطيته، وتسامحه العميق تجاه أصحاب الأديان والعقائد الأخرى، وتفهّمه للتنوع والاختلاف باعتبارهما من سنن الله الثابتة في الأرض.
لقد أدركت دولة الإمارات أن خطاب الكراهية، ومن يقفون وراءه، يهدد بالدرجة الأولى الدول العربية والإسلامية، والعرب والمسلمين جميعاً، وينذر بإطلاق صراعات داخلية تحطم بنية الدولة، وتمزق النسيج السياسي والمجتمعي في كل مكان تمتد إليه مؤامراته الخبيثة، ذلك أنه يستخدم لغة الإرهاب والتخوين والتكفير والإقصاء بحق كل من يخالفه الرأي ولا يقبل طروحاته المشوهة، غير مكترث بما يترتب على أفعاله من كوارث.
لقد قادت دولة الإمارات جهود الحوار بين الأديان، والبحث عن المشتركات التي توحِّد البشر وتقرب المسافات بينهم، وتساعدهم على ضمان حياة يجد فيها الإنسان ما يحفظ له بقاءه وإنسانيته وحريته، من مسكن ومأكل ومشرب ومرافق تعليمية وصحية مناسبة وفرص عمل وممارسة لعباداته ومعتقداته في إطار من الاطمئنان إلى المستقبل. وعلى أرض الدولة التقى فضيلة الدكتور أحمد الطيب، شيخ الجامع الأزهر، وقداسة البابا فرنسيس بابا الفاتيكان، ليصوغا وثيقة ستبقى خالدة في وجدان الإنسانية، حيث بدأت بهذه الكلمات النبيلة: «يحمل الإيمان المؤمنَ على أن يرى في الآخر أخاً له، عليه أن يؤازره ويحبه».
وفي كل الفعاليات التي نظّمتها دولة الإمارات، وفي كل المؤسسات التي أنشأتها لتحقيق غايتها الجليلة في تحقيق الأخوة الإنسانية والسلام ونبذ الكراهية، كانت هذه المعاني حاضرة. ففي المؤتمر الافتراضي «المقاصد العليا للسلم في الإسلام»، الذي نظمه المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة، الجمعة 28 أغسطس 2020، اتفق الحاضرون، وهم علماء ينتمون إلى مختلف بلدان العالم الإسلامي، على أن «السلم هو أصل وأساس العلاقة بين المسلمين وغيرهم، وهي القاعدة التي تنطلق منها العلاقات الدولية في الإسلام، وأن الحرب حدث طارئ لا ينبغي أن يستمر، فالأصل في تعامل المسلمين مع غيرهم أنهم دعاة سلام وتحيتهم السلام». كما ثمَّن المؤتمر جهود علماء الدين بشكل خاص، وأكَّد ضرورة عملهم من أجل «إحلال الحوار بين الأديان والحضارات والثقافات والشعوب محل الاحتراب والاقتتال والتنافر.. وإعلاء مبدأ التسامح، والتعايش السلمي بين الأمم والشعوب، وصون كرامة الإنسان من دون تمييز».
إن هذا التصور الشامل هو الإطار الذي أبرَمت فيه دولة الإمارات معاهدة السلام مع إسرائيل، سعياً منها إلى منح السلام بين إسرائيل والفلسطينيين فرصة لأن يحلّ محل الحرب والكراهية والمواجهة التي تبدو بلا نهاية، وخاصة أن أكثر من سبعة عقود من الحرب لم تحمل للفلسطينيين إلا الخسائر المتوالية، إذ لم يُقدِّم تجار الكراهية وجماعات التخريب المتسترة بالدين لفلسطين غير الأوهام، وبالتالي فإن وجود دولة الإمارات في المعادلة يمثل دعماً لفلسطين وشعبها في الحصول على حقوقه المشروعة، ومصدر قوة له. وستظل دولة الإمارات نصيراً قوياً للحق الفلسطيني كما كانت على الدوام، مُستخدمة السلام هذه المرة سلاحاً، فالوسائل تتغير، لكن الهدف يبقى ثابتاً.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.