التجارة لا تعزز التحالفات فحسب، لكنها أيضاً تعزز اقتصاديات الدول المتحالفة بجعلها أكثر قدرة على مقاومة توسع نفوذ المنافسين. وفهمت الولايات المتحدة هذا ذات يوم؛ فمن المعروف أن خطة مارشال ساعدت في تحقيق استقرار غرب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية ومنعتها من السقوط في الفلك السوفييتي، كما ساعد فتح الأسواق الأميركية أمام اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان هذه الدول على تعزيز التصنيع.
لكن الولايات المتحدة نسيت فيما يبدو هذا الدرس، في السنوات القليلة الماضية. فقد تجاهلت المعارضة لمعاهدة الشراكة عبر الهادئ إلى حد كبير الأهمية الجيوسياسية للمعاهدة التي أقامت تكتلاً تجارياً آسيوياً يعزز حلفاء أميركا في شرق وجنوب شرق آسيا. ودعنا نأمل أن تتذكر الولايات المتحدة أهمية التجارة والاستثمار كأدوات لتعزيز التحالفات. ومن شبه المؤكد أن الهند ستصبح أهم حليف. وتعزيز الشراكة الاقتصادية مع الهند سيكون طريقاً طويلاً وصعباً. والهند الآن هي تاسع أهم شريك تجاري للولايات المتحدة، متقدمة قليلاً فحسب على جزيرة تايوان الصغيرة.
وإبرام اتفاقية تجارة بين البلدين قد يعزز مكانة الهند في الشراكة مع أميركا. لكن التفاوض أخفق في وقت مبكر هذا العام من أجل إبرام مجرد اتفاق صغير. والواقع أن إدارة ترامب ترفض السماح للهند بإمكانية دخول دون رسوم إلى الأسواق الأميركية ما لم تفتح الهند قطاعها الزراعي أمام المنتجات الأميركية. والاقتصاد الهندي مازال زراعياً إلى حد كبير، ولذا فمطالبة البلاد بقطع أرزاق مئات الملايين من المزارعين الفقراء أو الإضرار بهم بسبب النشاط الزراعي الأميركي، ليست نقطة بداية مشجعة.
ويجب على الإدارة في المستقبل أن تكون أكثر تفهماً لحاجات الهند ونقاط ضعفها. وفتح الأسواق الأميركية أمام البضائع هندية الصنع، دون فتح مقابل من الهند، مهم من الناحية الجيوسياسية. وجعل الولايات المتحدة مصدراً للطلب على المنتجات الصناعية سيساعد الهند أيضاً على تعزيز قطاعها الصناعي بالطريقة نفسها التي حدثت في الصين وكوريا الجنوبية. ومن غير المرجح أن يؤدي تعزيز التعاون إلى عجز في الميزان التجاري أو يجعل العمال الأميركيين يفقدون وظائفهم، بل قد يجعل بعض الشركات الأميركية تنقل الصناعات كثيفة العمالة من الصين إلى الهند كما يحدث الآن مع فيتنام.
وقيام علاقة اقتصادية أكبر نفعاً سيتعزز بضخ استثمارات أميركية مباشرة إلى الهند. الاقتصاديون يعتقدون أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وبخاصة في التصنيع، تعزز عادة النمو. وبالإضافة إلى تقديم رأس المال لإقامة مباني جديدة وآلات جديدة، يمثل الاستثمار الأجنبي المباشر أداة لنقل التكنولوجيا بين الدول. فحين تقيم الشركات الأميركية مصنعاً أو منشأة أخرى في بلد نام، فإنها تعلم المحللين الطريقة التي تعمل بها الآلات المتقدمة وعمليات الإنتاج والتكنولوجيات الأخرى. وبعد ذلك، يستطيع هؤلاء المحليون تدشين شركاتهم الخاصة والاستفادة مما تعلموه، وبالتالي تعزيز الإنتاجية في الاقتصاد المحلي. والتكنولوجيا هي ما تجعل بلداً ما غنياً، ولأن تعلم التكنولوجيا من الدول المتقدمة أقل كلفة بكثير من ابتكارها من جديد، ولذا فنقل التكنولوجيا يعد طريقة جيدة لمساعدة بلد ما على النمو سريعا.
وأخطأت الهند منذ فترة طويلة لتخلفها عن الصين فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر وخاصة في التصنيع. لكن الأمور قد تتغير، فالهند تحاول الانفتاح. والولايات المتحدة من أكبر الدول التي لديها استثمارات مباشرة في الهند، لكن الجهود المشتركة لدعم الاستثمار الثنائي ستؤتي أُكلها للهند وأيضا للمستثمرين الأميركيين.
وتعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الولايات المتحدة إلى الهند سيعود بفوائد كثيرة على البلدين. فإلى جانب تحقيق الربح لكلا البلدين واصطفاف مصالح البلدين في جانب واحد بشكل أكبر، فإن جعل الهند بلداً أكثر ثراء وتقدماً وقوة. والهند تتخذ خطوات متعددة في محاولة جذب المزيد من الاستثمارات الأميركية المباشرة، ولذا يتعين على الولايات المتحدة القيام بما عليها. وتقليص الضرائب وتقديم حوافز أخرى للشركات الأميركية للاستثمار في الهند قد يساعد في تحقيق النمو وتعزيز هذه الشراكة الحيوية في القرن الحادي والعشرين.
*أستاذ التمويل المساعد السابق في جامعة ستوني بروك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس