شاهدنا المؤتمر الوطني للحزب «الجمهوري»، وما تميز به أنه أظهر صورة متفائلة عن الولايات المتحدة الأميركية بعكس مؤتمر «الديمقراطيين»، الذي جعل البلاد تظهر في صورة قاتمة، وكأنها على حافة الانهيار، وقد لاحظنا التنوع في خلفيات المتحدثين، من أعراق وأعمار وطبقات مختلفة، وبدلاً من أن نجد تحليلاً موضوعياً لهذه الخطابات، لم نجد سوى الهجوم من قبل الإعلام وحلفائه من «الديمقراطيين اليساريين»، فقد شنت حملات الهجوم والسخرية على السيدة الأولى، ميلانيا ترامب، بسبب لكنتها الإنجليزية، وكذلك على السيناتور الأفريقي الأميركي، تيم سكوت، لأنه انتقد في خطابه في المؤتمر ما ذكره جو بايدن: «إذا لم يصوت له رجل أسود، فهو ليس أسوداً حقاً»، لكن لا أحد يمكن التخيل بأن التنمر والهجوم الشرس، يصل إلى طالب مراهق لا يتعدى عمره الثامنة عشر عاماً، نيكولاس ساندمان. 
شارك «ساندمان»، الطالب السابق في مدرسة «كوفينغتون» الكاثوليكية الثانوية من كنتاكي، في المؤتمر الوطني «الجمهوري» يوم الثلاثاء الماضي، الموافق 25 أغسطس، بمقطع فيديو أمام نصب «لنكولن» التذكاري في واشنطن العاصمة، وهو المكان نفسه، الذي شارك به في المظاهرات المناهضة للإجهاض العام الماضي، والتي غيرت حياته تماماً، فقد وضح في هذا الفيديو ما تم فبركته في وسائل الإعلام، التي وصفت مشاركته في المظاهرات، أنها كانت بدافع العنصرية ضد الناشط «ناثان فيليبس»، وهو من سكان أميركا الأصليين، مع أن اللقطات تثبت أن طلاب «كوفينغتون» هم الذين تعرضوا للمضايقة. 
ثم تابع «ساندمان» أن وسائل الإعلام لم تكن معنية بالحقيقة، بل فقط بتعزيز روايتهم المناهضة لترامب، حتى لو هذه الرواية ثمنها سمعة وتدمير مستقبل مراهق، فهي الطريقة التي تعلمه أن لا يرتدي قبعة «ماجا»، فما يحدث في أميركا يسمى بإلغاء الآخر، وهذا يمارس لأي شخص يرفض أن يسكته أقصى اليسار، فكثير تم فصلهم من وظائفهم، وإذلالهم وتهديدهم، وغالباً ما تكون وسائل الإعلام مشاركة في هذا الإلغاء. 
ومع أن «ساندمان» رفع دعاوى تشهير ضد عدد من وسائل الإعلام «الديمقراطية»، بلغت قيمتها 800 مليون دولار، واستطاع أن يجبر (سي. إن. إن) و«واشنطن بوست» أن يقوما بتسوية معه، إلا أن وسائل الإعلام لم تكف عن مهاجمته، فقد هاجمه «جو لوكهارت» المحلل السياسي في «سي. إن. إن»، في تغريدة يوم الثلاثاء الماضي: «أنا أشاهد المؤتمر الليلة لأنه مهم، لكني لست مضطراً لمشاهدة هذا الطفل ذي الأنف المخاطي من ولاية كنتاكي»، لا أحد يمكن تصديق أن محللاً سياسياً في قناة عالمية، يتجاوز عمره الستين عاماً يهاجم مراهقاً بهذا الشكل الفظ. 
إذا كانت وسائل الإعلام تشن هجوماً شرساً، وتفبرك الأحداث على مراهق في ربيع عمره، فما بالنا بالهجوم وما يحاك ضد دول المنطقة، وخاصة غير المتوافقة مع الرؤية «الديمقراطية» اليسارية، فهل هناك أمل أن يعود الإعلام الأميركي لتغطية إخبارية أكثر موضوعية ومسؤولية خاضعة للمساءلة؟
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي