تأتي الأخبار الجيدة دائماً من دولة الإمارات العربية المتحدة؛ ولعل هذه الحقيقة تساعد على تفسير طاقة الأمل والتفاؤل والسعادة، التي يستشعرها كل من يعيش على أرض لا تعرف إلا التفوق والإبداع؛ ويستمد مما يشهده من حوله تصوراته عن العالم، وكان مساء الاثنين، 24 أغسطس الجاري، موعداً لإعلان نجاح جديد ثري بالدلالات، يشير إلى الآفاق التي تتحرك فيها الإنجازات الإماراتية.
لقد أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي «رعاه الله»، أن «مسبار الأمل» الذي أُطلق في 20 يوليو 2020، قطع 100 مليون كيلومتر في طريقه إلى المريخ؛ لتنفيذ مهمته العلمية غير المسبوقة في استكشاف «الكوكب الأحمر»، وتقديم دراسة شاملة هي الأولى من نوعها عن الغلاف الجوي للمريخ، وأسباب فقدان غازَي الهيدروجين والأكسجين من هذا الغلاف، وكذلك مراقبة الظواهر الجوية على سطح المريخ، مثل العواصف الغبارية، وتغيُّرات درجات الحرارة، وأنماط المناخ المتنوعة، وفقاً لتنوع التضاريس، واستقصاء أسباب تآكل سطح المريخ.
وكما هي كلمات سموه دائماً، انطوى هذا الإعلان العلمي على درس إنساني بالغ الأهمية لتفسير التفوق الإماراتي، اختصرته كلمات موجزة، حيث قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم «رعاه الله»، في التغريدة التي حملت البشرى: «والوصول إلى أهدافنا يتطلَّب ألا نلتفت»، ومثل هذه الإشارة، التي تحث الدول والشعوب، حتى الأفراد، على أن يكون المستقبل نُصب أعينهم، وأن يتوجهوا بكل قواهم نحو أهدافهم العظيمة، هي خريطة طريق للنجاح؛ فالانتماء إلى الماضي، والانشغال به، يحملان قيوداً تعوق التحرك الذي يجب أن يكون إلى الأمام دائماً؛ وإذا كان هناك في الماضي ما يمكن أن يفيد -ولا شك أن فيه ما يفيد فعلاً- فيجب استحضاره، فيما العين والقلب والفكر والرؤى تتجه صوب الأمام، صوب المستقبل.
وليس مشروع «مسبار الأمل» مهمة ستنتهي؛ لأنه جزء من جهود شاملة طويلة المدى لبناء الإنسان في دولة يمثل العلم أحد مرتكزاتها، فيما تمثل القيم الروحية والمعنوية ركيزة أخرى، ويمكن أن نرى جزءاً من ثمار المشروع في برامج تعليمية ترتبط به، شارك فيها أكثر من 60 ألف طالب وطالبة، وفي 200 تقنية جديدة، و51 ورقة بحثية علمية تمخَّض عنها العمل في المسبار، إلى جانب أن 66 قطعة من المسبار، صُمِّمت وصُنعت داخل دولة الإمارات، وتمثل هذه المخرجات البحثية والمهارات العلمية والتطبيقية الثروة المتجددة، التي تحرص دولة الإمارات على تهيئة أفضل الظروف المناسبة لتنميتها.
ويعكس بناء هذه القدرات البشرية ازدهاراً عاماً لمجتمع العلم داخل الدولة، ومُناخاً مشجعاً لالتحاق أبنائها بالأقسام العلمية والتخصصات الدقيقة، صاحبة الدور الأساسي في دعم النمو الاقتصادي المستدام، وتوفير البيئة المُثلى لتعزيز اقتصاد المعرفة، ومثل هذا التطور العلمي يواكبه تطور على مستوى منظومة القيم الفكرية والمجتمعية، التي تتسع لاستيعاب التطورات الجديدة، وعلى رأسها الثقة بالذات والتواصل الفعَّال مع العالم، في إطار من التسامح والتعايش، واحترام التعددية وتنوع الثقافات، والسعي إلى بسط السلام والاستقرار، والإيمان بقدرة الحضارات والشعوب جميعها على التعاون، لما فيه مصلحة البشرية.
وسيقطع «مسبار الأمل» نصف مليار كيلومتر تقريباً حتى يحطَّ على المريخ؛ ما يعني أنه أنهى، أول من أمس، خُمس المسافة نحو هدفه، وهي تساوي طول الرحلة من الأرض إلى القمر 130 مرة، ويُنتظَر أن يدخل المسبار مدار كوكب المريخ بعد 170 يوماً من الآن. وهذه الرحلة الفريدة من نوعها في العالم، إلى جانب بدء تشغيل المحطة الأولى في مشروع براكة النووي، يمثلان الطريقة التي اختارت بها دولة الإمارات، الاحتفال بعامها الخمسين؛ لأن هذا الحدث العظيم لا يليق به إلا إنجازات عملاقة، في ظل قيادة ألغت من قاموسها كلمة المستحيل.

*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.