يوم الخميس الماضي، وداخل قلعة تعود إلى العصور الوسطى على ساحل البحر المتوسط في فرنسا، اجتمع الزعيمان السياسيان البارزان للاتحاد الأوروبي، المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي مانويل ماكرون. والاجتماع يتناول - على الأرجح - قضية مهمة تتعلق بتصور ما عساه أن تكون «أوروبا جديدة». فلقد كانت الدول الأوروبية شركاء محوريين للولايات المتحدة على مدار عقود. لكن مع تولي فرنسا وألمانيا القيادة، يجد التكتل المؤلف من 27 عضواً صعوبة فيما يبدو في شق طريقه نحو هوية مستقلة أكثر إقداماً. 
ولن يتضح ما سيحدث في هذا الصدد إلا في الشهور المقبلة. والمقصود هنا أن يتحول الاتحاد الأوروبي - وهو أكبر تكتل تجاري في العالم - إلى قوة سياسية متماسكة بالمثل، إلى جانب الصين والولايات المتحدة. لكن اجتماع الزعيمين في حصن بريجانسون، المقر الصيفي الرسمي للرؤساء الفرنسيين، في هذه الأثناء، من المقرر أن يلعب دوراً محورياً في هذا الصدد. وهناك علامات بالفعل على تراخي الروابط مع واشنطن. وهذا يرجع في جانب إلى أن الولايات المتحدة ركزت، في السنوات القليلة الماضية، أنظارها شرقاً- بعيداً عن روسيا، منافس الحرب الباردة القديم- إلى الصين الصاعدة. وفي ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب حدث تآكل ملموس في التحالف مع أميركا. 

فقد انسحب ترامب، على سبيل المثال، من مبادرات دولية ساعدت الولايات المتحدة بالفعل في مشاركة القيادة مع حلفائها الأوروبيين، مثل اتفاق باريس بشأن المناخ والاتفاق النووي مع إيران. وفي لافتة قوية على توترات جديدة، امتنعت فرنسا وبريطانيا وألمانيا، في وقت سابق من الشهر الجاري، عن التصويت على محاولة أميركية باءت بالفشل في نهاية المطاف، لدفع مجلس الأمن الدولي لإطالة أمد حظر الأسلحة الدولي على إيران. وهناك طائفة من المحفزات الأخرى تضغط أكثر على مسعى الاتحاد الأوروبي ليعيد تعريف نفسه. وهذه المحفزات قلصت، فيما يبدو، الخلافات بين ألمانيا وفرنسا، بين رؤية الرئيس ماكرون لقيام ولايات متحدة أوروبية، وبين تفضيل المستشارة ميركل السابق لقيام اتحاد أقل تماسكاً، اقتصادي في الأساس. 
وهناك عاملا تحفيز في عقر دار الزعيمين يؤثران في التوصل لتفاهم فرنسي- ألماني أكبر. والأول هو قرار بريطانيا- وهي اقتصاد أوروبي محوري وأهم قوة عسكرية في أوروبا- بإنهاء عضويتها التي استمرت عقوداً في الاتحاد الأوروبي. والعامل الآخر هو جائحة كورونا والكلفة الكبيرة التي كبدتها لدول التكتل، وخاصة الدول الأعضاء في الجنوب الأضعف اقتصادياً. 

والاستجابة على الجائحة رفعت لافتة قومية تشير إلى أن الاتحاد الأوروبي ربما يتوجه نحو تغير كبير. وبدعم من ماكرون، تخلت ميركل عن موقفها الذي تمسكت به لسنوات، والخاص بالتأكيد على السلامة المالية، هو مسؤولية كل دولة من التكتل، وتراجعت عن ترددها في بحث أن تنقذ الاقتصاديات الأقوى فعلياً الاقتصاديات الأكثر هشاشة. بل ساعدت في إقناع الدول الثرية المترددة بوضوح بأن توافق على صفقة تعافٍ اقتصادية تاريخية. وأقامت صندوقاً بقيمة 900 مليار دولار تقريباً، رغم أن حاجة دول الاتحاد الأوروبي الجنوبية أكبر إليه بشكل غير متناسب. 

والسؤال الآن يتعلق بمدى توسيع التضامن الاقتصادي الجديد لتشكيل هوية جيوسياسية جديدة قوية بالمثل. وعلى هذه الجبهة، هناك حوافز للتغيير. فالناتو يخضع لضغوط غير مسبوقة. فقد أرسلت تركيا العضو في التكتل، العام الماضي، قوات إلى سوريا للتصدي لقوات كردية حليفة للولايات المتحدة في الحرب ضد «داعش». واتفق أيضاً الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على شراء أسلحة روسية مضادة للطائرات. وفي الأيام القليلة الماضية، واجه أردوغان مأزقاً بحرياً مع دولة اليونان، العضو في الناتو، بسبب حقوق الغاز الطبيعي في البحر المتوسط. وهناك خلاف بين الأتراك وفرنسا حول الصراع الليبي. وفيما يتعلق بالنزاع على الغاز الطبيعي، يتحيز ماكرون لليونان، ويطالب تركيا بالتراجع. 

وميركل تريد أيضاً أن يتراجع أردوغان عن الصدام مع اليونان، لكنها تأمل أن تتجنب التحيز صراحة لأي من الجانبين، بل تريد تمهيد الطريق لحل بالتفاوض. لكنها تشارك بشكل متزايد رؤية ماكرون بأنه يتعين على أوروبا أن ترسم، في المدى الطويل، هويتها وسياساتها باستقلال أكبر عن واشنطن. 
ومع الأخذ في الاعتبار عدد وتعقيد القضايا المتداخلة في أي إعادة تموضع دولي لمكانة الاتحاد الأوروبي، فتعريف «أوروبا جديدة» سيستغرق أكثر من اجتماع واحد بين زعيمي ألمانيا وفرنسا، مهما كانت أهمية دورهما في التكتل. والتركيز الأساسي لاجتماع الزعيمين لا ينصب على الأرجح على المدى البعيد، بل على قضايا ذات خطورة آنية مثل الصراع بين تركيا واليونان. لكن السياق السياسي للاجتماع أوسع، باعتباره جزءاً من حوار مكثف ومستمر حول الأسئلة المتعلقة بالشكل المستقبلي للاتحاد الأوروبي.
*كاتب وصحفي أميركي مقيم في لندن 
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»