انتشرت في الآونة الأخيرة إشاعة مفادها أن تويتر أغلق حساب الرئيس دونالد ترامب لنشره معلومات «مضلِّلة» عن فيروس كورونا المستجد. لكن لم يدم فرح وغضب الأشخاص من الحزبين طويلاً لأنه تبين أن تويتر أغلقت بشكل مؤقت حساباً لحملة ترامب الانتخابية ولم تمنع الرئيس نفسه من استخدام حسابه. لكن ما حدث أثار مرة أخرى السؤال التالي: هل يجب على تويتر حجب أكثر مستخدميها تأثيراً؟ 
حاول البعض تقديم «حُجّة أخلاقية قوية» لإبعاد ترامب عن تويتر حتى قبل فترة طويلة من وصوله إلى السلطة. فما نشره عن نظرية المؤامرة بشأن شهادة ميلاد الرئيس باراك أوباما اعتبره كثيرون انتهاكاً لقواعد الموقع الخاصة بالتحريض على الكراهية. وفي الآونة الأخيرة، أصبح منع حساب ترامب قضية تحظى بقبول وسط نمط معين من الليبراليين. فقد أنفقت السناتور «الديمقراطية» كامالا هاريس، وهي مرشحة لشغل منصب نائب المرشح الرئاسي «الديمقراطي» جو بايدن، بعض الوقت أثناء الحملة التمهيدية الرئاسية «الديمقراطية» للمطالبة بوقف حساب ترامب على تويتر. وفي يونيو الماضي، أخبر ترامب نفسُه منفذاً إعلامياً محافظاً صديقاً لـ«الجمهوريين» أنه يتوقع حظر حسابه قبل انتخابات نوفمبر. وكثيرون من خصومه سيحتفون دون شك بوقف حسابه. لكنهم بهذا يرتكبون خطأً وهذا لأنه بمصطلحات سياسية خالصة، يمثل إبعاد ترامب عن تويتر دعماً هائلاً لحملته. والافتراض المسكوت عنه في الحجة بشأن منع ترامب على تويتر هو أن نشر التغريدات على تويتر يخدم فرصه السياسية، ومن ثم فإن حجب صوته لن يكون في صالحه. لكن الحقيقة هي عكس هذا تماماً. فقد أظهرت استطلاعات رأي على مدا سنوات أنه حتى أنصار ترامب لا تروقهم تغريداته. وفي فبراير 2020، أظهر استطلاع لشبكة «فوكس نيوز» أن 19% فقط من الناخبين يؤيدون تغريدات ترامب. وهناك 37% فقط من الجمهوريين يؤيدون استخدامه لتويتر بينما أعلن 45% أنهم يودون أن يتحلى بحذر أكبر، ولا يؤيد تغريداته إلا 13%. وفي مارس 2017، أي بعد شهرين من تولي ترامب المنصب، توصلت استطلاعات الرأي نفسها إلى النتائج نفسها تقريباً. 
ورصدت جهات مختلفة لاستطلاعات الرأي، من «يوجوف» إلى «وول ستريت جورنال»، نتائج مشابهة على امتداد رئاسة ترامب. وهذا يتوافق مع خبراتي كصحفي. فكل صحفي أعرفه تقريباً سمع من الناخبين عبارات مختلفة مفادها تأييدهم لسياسات الرئيس لكن معارضتهم لتغريداته. 
وليس ناخبو ترامب وحدهم الذين يعتقدون أنه يتعين عليه الابتعاد عن تويتر، بل يريد أنصاره ذلك أيضاً. والتسريبات المتكررة من فريق ترامب نفسه تكشف عن محاولاتهم المستميتة، التي مُنيت بالفشل، لإبعاده عن تويتر. وفي وقت متأخر من حملة 2016 الرئاسية، فرض فريق ترامب بالفعل سيطرةً على حسابه على تويتر لفترة من الوقت. والآن يقلصون هذا إلى السيطرة على الضرر. وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن معاوني ترامب هرعوا إليه وجعلوه يزيل مقطعاً مصوراً لرجل وهو يهتف قائلاً: «قوة البيض»، كان ترامب قد أعاد نشره على تويتر الشهر الماضي. 
وهناك ما يسوغ موقف ناخبي ومستشاري ترامب من تغريداته، فهي تجبر داعميه على التفكير في شخصية الرجل الذي انتخبوه. فمن الأسهل بكثير أن يواصل المرء تأييده لترامب من غير أن يقرأ بعض تغريداته على الأقل. فكثيراً ما أحرج الرئيس أنصاره برسالة بها أخطاء وبحديثه عن نظريات المؤامرة والتهديدات الكثيرة والابتعاد عن أولويات إدارته وحملته.. وكل هذا يجبر الناس على رؤيته كما هو، وليس بالطريقة التي يريد أن يراه الناس بها. 
وهذا بالتأكيد رصيد هائل لمعارضي ترامب السياسيين ويضغط على أنصار الرئيس. والسبب الوحيد الذي يمنع ظهور مدى الضرر الذي لحقه تويتر بترامب هو أن كثيرين منا يخلطون بين مواقع التواصل الاجتماعي والواقع وبين الاشتهار الرقمي والشعبية الحقيقية. فتويتر، مثل أي منصة أخرى للتواصل الاجتماعي، لا يمثل إلا وجهات نظر مستخدميه، وهم نحو 22% فحسب من الراشدين الأميركيين. وما يظهره ترامب حقاً هو قدرته على الانتشار عبر تويتر بتدوينات استقطابية تحفز قاعدته لكنها تثير غضب الآخرين. وهذه ليست ميزةً بالنسبة للسياسيين، بل هي ممارسة من شأنها أن تُفاقم نِسب عدم التأييد لهم، وهو أمر ما كان ليحدث لو أنهم كانوا أقل ظهوراً على الإنترنت ولو أنهم تجنّبوا التغريدات المثيرة للجدل. ولتأكيد ذلك ما عليك إلا فحص أرقام استطلاعات الرأي الخاصة بجو بايدن. 
ولا عجب أن تثير تغريدات ترامب حساسية معارضيه. ومن المعقول أن تعلن شركة تويتر عن أي تضليل معلوماتي خطير ينشره أي سياسي في تغريداته. لكن بخلاف هذا، فأي شخص يريد أن يخسر ترامب في انتخابات نوفمبر، يجب ألا يكتم صوته على الإنترنت، بل يجب تركه يغرد بكل حرية على تويتر ليُسمع آراءَه ومواقفَه للأميركيين. 


*كاتب بمجلة «تابليت مجازين» الإلكترونية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»