في سبيل الوطن تهون التضحيات، وتوضع الرؤى والاستراتيجيات، وتُقدَّس المصالح وتعلو فوق كل اعتبار، إلى أن تُسترخص الأرواحُ والنفوس والمهج، وفي سبيله تتمايز المواقف، وتبرز الآراء والأخطار، فهو المعيار والهدف والاعتبار، فلا يُرغَب في السلم والسلام، والاستقرار والأمان، والسلامة والإيمان، والتنمية والبناء إلا من أجل الأوطان، وإنما يحرص على هذه المبادئ الوطنية من لهم أوطان يراهنون عليها، ويبنونها ويدافعون عنها، ويخططون لرفعتها وتمكين مصالحها. 
أما من لا يؤمنون بالدولة الوطنية فهم في كل واد يهيمون، وفي طريقهم يعمهون، ولمصالحهم الشخصية يُقدسون، ولجماعاتهم الحزبية ينتصرون، فمرة مع الأممية، وأخرى مع الخلافة والقومية، وهكذا تتناسل مواقفهم التي لا يقرها عقل ولا تنطلق من شرع، حتى كلّت منهم كل القضايا، وملّت جميع الشعوب والأوطان من تلاعبهم وأدوارهم المشبوهة. 
وها هو صوت السلام يتجاوز تلك الأحدوثة والأكذوبة المضللة، وأصوات السلام مهما طال خفوتها ستتوهج يوماً وتعلو، ويعم دويها العالم أجمع، فالسلام كل لا يتجزأ، وقد مرت عقود تستر فيها أولئك المتسترون، وتهتك المتهتكون، واستغل المستغلون، ووظفوا قضايانا حقباً من الدهر، بذرائع مختلفة ومكر كبار، وجنوا جنايات في حق الأوطان والإنسان والأديان، لا يمحوها التاريخ.
فلا يستوي الحق والباطل، ولا الظلمات ولا النور، ولا الخير والشر، ولا الطيب والخبيث، فنحن أمام مفترق طرق لصناعة السلام، وقد آن أوانه، وتلك سنة كونية وقانون رباني في التفريق والتمايز، ففريق يصنع السلام ويتبناه ويرعاه ويبني الإنسان والعقول، وآخر يهدم ويدمر ويشتت جهود السلام.
متى يبلغ البنيان يوماً تمامه إذا كنت تبنيه وغيرك يهدم.
فأي الفريقين أحق بالأمن والسلام والدعاء والثناء؟ إنهم بلا مرية الذين آمنوا بالسلام ولم يلبسوا إيمانهم بعنف وطائفية وكراهية، أولئك لهم المستقبل بإذن الله تعالى، وهم متسامحون أوفياء للإنسانية، حريصون على تعاليم دينهم السمحة. 
فما الذي يضير دولة تقود السلام، وترعى مصالح الإنسانية وتسعى لتنمية بلدها والتقدم في مجالات الصحة والغذاء والدواء، والطاقة والمناخ والتطور الصناعي والتقدم في الذكاء التقني؟، فكل هذه المجالات فيها خير للبشرية ونفع للإنسانية، فدولة الإمارات على قمة المجد وذروة السؤدد، وعلى رأس دول المنطقة التي تقود خريطة السلام، وتخترق مشاريع الأوهام البئيسة، وتبني مجدًا لمنطقتنا يُقدره أصدقاؤها، ويباركه حلفاؤها، وينال إعجاب العقلاء ومن رزقه الله البصيرة والصدق في هذه الدنيا. 
ومن هذه الزاوية تأتي معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل وهي تشق طريقها في خدمة هذا الوطن لعقود مستقبلية حافلة بالأمان والسلام، وليس لأحد أن يزايد عليها بشبه أو خيالات، فالشرع الشريف قد حصر أمر المعاهدات والاتفاقيات في يد الحاكم، وهو أعلم بمصلحة بلده، وهو وحده القادر على تقديرها والتصرف في حمايتها، وفق ما تقتضيه مصالح الدولة الوطنية، وقد عودتنا دولة الإمارات النجاحات تلو النجاحات، والإنجازات وراء الإنجازات في كل شؤونها، وهي مع ذلك تراعي حقوق أشقائها وجيرانها في الدين والإنسانية، فهي في طليعة الدول التي خدمت الفلسطينيين واستقبلتهم على أراضيها، ودافعت عن قضيتهم، ووفرت لهم الدعم الإنساني والسياسي، فضلًا على أن هذه المعاهدة السلمية تُحقق مصالح في كل الاتجاهات، مصالح للإنسانية، ومصالح الأديان الإبراهيمية، ومصالح الشعوب العربية وعلى رأسها شعب فلسطين، ومصالح جميع المسلمين، إذ هي تصون حقوقهم في المسجد الأقصى، وتحيي سنة شدّ الرحال إليه من أرض السلام أبوظبي إلى أرض الأنبياء، في رحلة مباركة للسلام على هدي نبينا محمد، عليه الصلاة والسلام، في رحلة الإسراء والمعراج. 
هذه اللحظة لحظة تاريخية معاصرة يعقبها خير كثير، بإذن الله تعالى، هي لحظة تلتقي فيها العائلة الإبراهيمية في مهدها للتصافح والتحادث بالتسامح، لحظة الاقتناع بالسلام وأنه هو طريق النجاة، لحظة الحكمة والبصيرة والحوار التي طالما آمن بها الشيخ زايد، طيب الله ثراه، لحظة التفاف الشعب حول قيادته وقطف ثمار أعوام التسامح والخير والأخوة الإنسانية، لحظة وَعْي أن عقيدة السلام قوة وشجاعة، وتحقق ما لا يمكن تحقيقه بالاحتراب والعداوات، وفي السلام حياة لأولي العقول والألباب، أما أصحاب العواطف والإثارة والإشاعات وصناع الموت والحتف الذي ألفوا صناعة العراقيل، فلم يبق لهم اليوم متعلق أو مظلة يتسترون بها. 
فدولة الإمارات- ولله الحمد- تدافع عن مصالحها، وتتبنى القضايا الإنسانية العادلة، وتذهب باتجاه الهدف والطريق القاصد الذي لا اعوجاج فيه ولا تردد، ولا تلتفت يمينًا أو شمالًا، تسير في مسارها، وتجنح للسلم دائماً، تؤم الجادة والطريق الوسط على نهج أبي الأنبياء الذي وصفه الله بأنه (كان أمة قانتاً لله حنيفاً)، وهي في رحلتها هذه على بصيرة وعلى بينة ويقين من أمرها، ولا يستوي من له هدف في الحياة يقصده في إطار الدولة الوطنية، ومن يوزع ولاءاته على شركاء متشاكسين، (أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم).
*كاتب إماراتي