اللقاح الأول الواقي من الفيروس ستطلقه موسكو نهاية الشهر الحالي، يليه أكثر من 165 لقاحاً واقياً طوّرها علماء من مختلف الدول، 31 منها دخلت مرحلة التجريب على البشر. ذكرت ذلك «منظمة الصحة العالمية»، دون تفضيل لأي منها، لكن «نيويورك تايمز» تذكر أن «الخبراء قلقون من اللقاح الروسي المُتسرع»، ويعتقدون أن روسيا تقوم بقفزة خطرة على المرحلة الثالثة من اختبار اللقاح. وتضيف أن موسكو أعلنت بدء المرحلة الثالثة على ألفي شخص في روسيا، إضافة إلى مشاركين من العالم العربي وأميركا اللاتينية. هذا، بينما «المشاركون في المرحلة الثالثة الجارية في العالم عشرة أضعاف ذلك العدد». 
وتطلق روسيا على اللقاح الجديد اسم «سبوتنيك»، تيمناً بأول مركبة فضائية أطلقها الاتحاد السوفييتي عام 1957، استهلت السباق العالمي على الفضاء المستمر حتى الآن. و«لقاحنا ضد كورونا حَرَمكم من مليارات الدولارات، لذلك جُنّ جنونكم»، قال «ألكساندر غينسبرغ» مدير مركز «جماليا» الروسي لبحوث الأوبئة والأحياء الدقيقة الذي طوّر اللقاح، وأضاف: «من السذاجة أن نتوقع رداً إيجابياً من الدول الأخرى على تسجيل اللقاح الروسي ضد فيروس كورونا». وأكدّ أن اللقاح الروسي آمن تماماً.
وتتهم بريطانيا روسيا باقتباس أبحاث كورونا التي قامت بها. وتسود مشاعر الشكوك والاتهامات أجواء السباق المحموم لإنقاذ البشرية من وباء «كوفيد-19» الذي أصاب حتى الآن أكثر من 21 مليون شخص، وأدى إلى وفاة ما يزيد على 765 ألفاً، من مختلف البلدان، تتقدمها على التوالي الولايات المتحدة والبرازيل والمكسيك والهند وبريطانيا.
وطوّرت جامعة أكسفورد بسرعة قياسية لقاحاً واقياً من فيروس «كوفيد-19»، واختبرته على أكثر من ألف شخص، وكشفت تجاربها أنه يحفز جهاز المناعة، ويعزز قدرة الجسم على إنتاج الأجسام المضادة التي تقترن كيماوياً بمواد يعتبرها الجسم أجنبية، كالبكتريا والفيروسات. ووجود هذه المواد في الجسم دلالة على تعرضه للإصابة بالفيروس، وتطوّر قدرته المناعية ضده. وعندما نتحدث عن الفيروسات، نُرّكز عادة على المعاناة التي تسببها أمراض «إيبولا» والإنفلونزا وغيرها، لكن أجسامنا موئل لتريليونات الفيروسات. وتذكر أحدث الدراسات أن بعض هذه الفيروسات يحفظنا أصحاء. والجسم الخالي من الفيروسات والميكروبات التي تغطي أحشاء القناة الهضمية، يعجز عن تطوير كمية كافية من خلايا المناعة التي تحفظ الجسم. 
وفي الصين يلعب الجيش الدور الأساسي في تطوير اللقاح الواقي من «كوفيد-19». وقد أشرفت على تطويره «تشين وي»، اللواء في الجيش الصيني وعضو أكاديمية العلوم العسكرية التابعة للجيش الصيني، والتي حققت السبق العالمي في تسجيل المراحل الثلاث من التجارب السريرية. وقادت اللواء «تشين وي» العملية منذ يناير الماضي، عندما أقامت أول مختبر تجارب نقال في مقاطعة «هوبي» لمكافحة الوباء في الخطوط الأمامية. وسرعان ما حقق فريقها السبق العالمي في إجراء 1000 اختبار للناس يومياً، وأصبح أول لقاح في العالم يدخل المرتبة الثانية، حسب «منظمة الصحة العالمية». 
والرهان الأكبر لإنقاذ البشر، كما حدث منذ فجر التاريخ، على طبيعة البشر أنفسهم. وبالتحديد على ما يسمى «مناعة القطيع» التي تنشأ ذاتياً لدى الناس المصابين والمجتمعات المصابة. وهنا عكس المتوقع، الخلافات المحمومة للعلماء المعنيين تماثل خلافات السياسيين، رغم أن الموضوع يعتمد على النظريات العلمية والحسابات والإحصاءات الرياضية الدقيقة. وأخفق العلماء في حل أكبر معضلة حسابية في العالم الآن، وهي معرفة كم عدد الناس في مجتمع ما ينبغي أن يصابوا بالفيروس وتنشأ عندهم المناعة كي يختفي فيروس «كوفيد-19»؟ وحتى في نيويورك، أكثر المدن إصابة بالوباء وأكثرها اكتظاظاً بالعلماء والأكاديميات، لا يُعرف ما إذا كانت هناك موجة ثانية للوباء قادمة. وفي حومة السباق المحموم لإنقاذ البشرية تَذكر حكمة كونفشيوس: «أن تعرف ما تعرف، وأن تعرف ما لا تعرف، تلك هي المعرفة الحقة».

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا