كانت الكارثة الكبيرة التي مرّ بها لبنان جراء انفجار مرفأ بيروت مأساة حقيقية أدت إلى تدمير جزء كبير من هذه المدينة. ورغم مآسي لبنان الكثيرة والمتعاقبة والمستمرة، التي ابتُلي بها، ومرت بها عاصمته الجميلة، من حروب أهلية وطائفية ونكبات ونكسات جسيمة، إلا أن الانفجار الأخير نال كثيراً من المدينة المحبوبة، فقلب حياتها رأساً على عقب، بما خلّفه من خسائر بشرية ومادية ومعنوية جسيمة ستذكرها الأجيال بعد الأجيال.
ورغم التعاطف والدعم الواسعين من الدول الخليجية والعربية وباقي دول العالم الأخرى مع بيروت عقب كارثتها المرعبة، فقد كانت مؤازة دولة الإمارات العربية المتحدة للبنان هي الأكثر أهمية، بما اشتملت عليه من مساعدات إنسانية وطبية عاجلة، في ظل ظروف صعبة يمر بها العالم كله جراء جائحة فيروس كورونا.
لقد كان لمبادرة الهلال الأحمر الإماراتي التي أطلقها سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، وقع إنساني إيجابي خاص وتأثير ملهم ومؤثر وفعال، وقد جاءت انطلاقاً من إدراكه حجم الكارثة والمأساة، وذلك من زاوية ربما غابت عن الكثيرين. لقد اشتملت المساعدات التي قدمها الهلال الأحمر الإماراتي على جميع التخصصات المطلوبة ضمن الواجب الإنساني في ظروف كهذه، لكنها تضمنت كذلك جانباً إنسانياً متفرداً، كان له وقعه وتأثيره وخصوصيته الجلية، ألا هو التكفل بالأيتام الذين فقدوا معيليهم في حادث انفجار مرفأ بيروت، إلى جانب رعاية أسر المتوفين والضحايا في الحادث الأليم، وتوفير كافة احتياجاتهم الحياتة المطلوبة، وصيانة وترميم وإعادة تعمير منازلهم وممتلكاتهم المتضرة جراء الحادث المأساوي، ورعايتهم الشاملة وانتشالهم ودعمهم ومساندتهم واحتوائهم بما يلزم من متطلبات كاملة. إنها لفتة كريمة وحانية ونبيلة إزاء هكذا ظروف إنسانية قاسية في محنة كبيرة وفاجعة مروعة، وهي عمل خالص لوجه الله ثم لهؤلاء الأيتام الذين فقدوا أعز ما لديهم، أي حنان الأب وعطفه ورعايته، وهو الفقد الأقسى حين يتيتم الطفل ويفقد أمان المعيل ومظلة العائلة. 
في ظل هذه الكارثة المرعبة التي هزت ضمير العالم، لهول فاجعتها وما خلّفته من دمار واسع، أتت مبادرة الشيخ حمدان العاجلة، لتضمد جراح الملكومين وتخفف مأساة أطفال مذهولين من كارثتهم المأساوية، صغار تيتموا وتشردوا وأصبحوا بلا مأوى ولا سكن ولا معيل، فباتت دموعهم تدمي القلوب وتتفطر لها الأكباد. ودون تدخل عاجل وكريم كهذا الذي بادر به الشيخ حمدان، فإن هؤلاء الصغار كانوا ليتعرضوا لضغوط نفسية قاسية من هول الصدمة المرعبة للتفجير وما خلفته من آثار أشد من أن تتحملها أعمارهم الغضة.
لكن دولة الإمارات العربية المتحدة عوّدتنا دائماً أن تطلق المبادرات الإنسانية العاجلة والمتفردة والسريعة في وقتها ومحلها وفي مثل هذه الظروف الإنسانية الصعبة، وعقب الكوارث الصادمة، حيث نجد أياديها البيضاء تمتد لتلامس الأحاسيس والمشاعر الآدمية، رأفةً بالإنسان وحفاظاً على حياته وكينونته ومستقبله.
فتحية للهلال الأحمر الإماراتي على مبادرته الإنسانية العاجلة المتفردة، التي احتوت هؤلاء الأطفال الأيتام الذين وقعت عليهم كارثة انفجار مرفأ بيروت ومأساته التي هزت العالم كله، وإن لم يتفطن كثيرون لحالة أطفال وجدوا في العراء وتحت الأنقاض وعلى الأرصفة بين الركام والأنقاض، بدون سكن ولا أهل ولا مأوى؟

*كاتب سعودي