عند كتابة هذه السطور، كان قد وقع في العاصمة اللبنانية بيروت انفجار هائل ومروع دمر العديد من البنايات والمحال التجارية وعدد من المرافق في وسط المدينة، ولم يعرف ساعتها عدد الضحايا من الجرحى والقتلى أو الجهة المسؤولة عن تنفيذ العملية، وهل هي داخلية لبنانية أو خارجية، ما يثير عدداً من التساؤلات الجوهرية حول الأهداف والنوايا والمصالح التي تعتقد الجهة المنفذة بأنها ستحققها أو تجنيها من وراء سفك دماء اللبنانيين، خاصة الأبرياء منهم من المواطنين الذين ليس لهم ناقة ولا جمل في كل ما يدور خلال هذه الساعات الرهيبة التي تمر بلبنان وأهل لبنان، أو من وراء تدمير ممتلكاتهم وقطع أرزاقهم وسرقة أمنهم الاجتماعي والسياسي والوطني.
ما حدث أمر محير، نعجز عن إدراك أسبابه ومبرراته ونتائجه ويعيدنا إلى المربع الأول الذي نقول من خلاله بأن مستقبل لبنان ومواطنيه مرتبط بلحمة اللبنانيين ذاتهم وبكل ما يدور في العالم العربي ومحيطه الجغرافي، سواء في سوريا، أو العراق، أو اليمن، أو إيران، أو تركيا، أو حتى ليبيا.
ولحمة لبنان الوطنية لن تستعاد سوى بعيداً عن الطائفية والعرقية والمذهبية والحزبية، التي هي جميعها مُفرقة تزكى إيران نارها بقوة، وينفذ إشعال النار «حزب الله» اللبناني، ولن تتحقق سوى عن طريق بروز قيادات شعبية شابة بعيدة عن الحرس القديم من الساسة اللبنانيين المتواجدين على الساحة السياسية حالياً، والذين يُعتبر عدد منهم متهماً بالوقوف وراء البلاء، الذي تمر به البلاد، ووراء نار الفرقة الشديدة القائمة في أوساط الشعب اللبناني.
إن القيادات الوطنية غير المرتبطة بالخارج - أياً كان ذلك الخارج - هي التي يمكن لها لعب أدوار مؤثرة في توحيد اللبنانيين حول برامج وطنية سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة على أسس من الرغبة في تحقيق السلام والوئام من جديد، فمثل هذا الدور، كما نعتقد يمكن أن يحدث عن طريق إرساء مبادئ وأسس جديدة للسياسات اللبنانية قائمة على التعاون والتضامن المثمر بين كافة أطياف المجتمع، وعلى برامج مشتركة وعقد اجتماعي جديد يختلف عن القائم حالياً.
والواقع أن المشهد اللبناني الحالي يفصح عن أن اللبنانيين يخوضون معركة حامية الوطيس ضد كل ما هو غير لبناني، من أجل خلق علاقات بينهم على أسس جديدة، وعلى أساس من أن لبنان وطن واحد لجميع اللبنانيين، فيه متسع للجميع للعيش على أرضه بشكل متساوي دون أن يتغول أو يتنمر طرف واحد على الأطراف الأخرى. والشعب اللبناني حالياً في حالة من الغضب الشديد بسبب التدهور الاقتصادي والمالي، الذي تمر به بلادهم، وبسبب مواقف قادتهم وسياسييهم العاجزة عن معالجة الأزمات الاقتصادية والمعيشية والسياسية التي يمر بها. وزاد من ذلك الغضب بحدة الانفجار الكارثي الأخير في الرابع من أغسطس 2020. 
هذه الصورة التي يعيشها لبنان مثيرة للدهشة والاستغراب، بقدر ما هي غير قابلة للتصديق ومتناقضة جداً مع ما كان يجب أن تكون عليه الحياة، من وجهة نظري الشخصية على أقل تقدير.
وفي المقام الأول هي صورة مثيرة للاضطراب بشدة، وتعكس بروزاً في حدة الصراع حول قضايا مفصلية في الدولة والمجتمع ليس لمستقبل لبنان ومصيره وحده فقط، ولكن يطال أيضاً زوايا حادة جداً في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي برمتها.
هذا الصراع هو عنصر رئيس في المواجهة الدائرة الآن بين العرب وقوى الحرية والاستقلال والسلام والوئام والتقدم والمحافظة على الوجود والكينونة الخاصة بهم وبين جيرانهم - إيران وتركيا - الطامعتين في أراضيهم وخيراتهم والساعيتان إلى تركيعهم بجميع الوسائل المتاحة لديهما.
ومن جانب آخر، فإن العديد من الأطراف الداخلية المرتبطة بهذه القوى الخارجية، تساعدهم في النيل من سيادة الأوطان العربية ونهب خيراتها والسيطرة عليها عن قصد وتعمد لأسباب يصعب شرحها في هذا المقام وسنتركها لمقام آخر.
*كاتب إماراتي