في دروب السلم والسلام والمحبة والوئام، نشاهد قوافل دولة الإمارات على عهدها سائرة منذ عهد القائد المؤسس الوالد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان -طيب الله ثراه- الذي أسس للتسامح بنياناً وأرسى للتعايش أركاناً، وها هي دولتنا -حفظها الله- وبإرادة قيادة فذة حازمة عازمة، ورؤية واضحة، تعقد المعاهدات تلو المعاهدات، وتوثق عرى التحالفات الإنسانية، وتطلق المبادرات في نطاق العوائل الدينية، وترسل رسائل التسامح، وتبرم عهود الأخوة الإنسانية، لجمع الناس على كلمة سواء بيننا وبينهم، تُحفظ بها ضروريات الناس في المعاش والمعاد، وتوحد بها المشاريع الوقادة لإنارة هذه المنطقة بمصابيح العطاء والتنمية والعمران، حتى تصبح منطقة مضيئة تنكشف بها ما غَشيَها من ظلمات التحارب والتدين الأيديولوجي المغشوش، الذي تتزعمه الجماعات الدينية السياسية، وتطلق بوارق الأمل، لتغدوا المجتمعات متعاونة من أجل الخير والعمل، وهي على عهد السلم ماضيةً، وبقيم الدين الحنيف مهتديةً، وبإرث القائد المؤسس، رحمه الله، مستلهمةً. 
وهو الذي يقول في نص بليغ بديع مستشرف للمستقبل يعد من درر حكمه وفرائد أقواله: (وهناك من يعتقد أن حل أي مشكلة لا يكون إلا بالقوة، وهذا غير صحيح، ولكن الصحيح أن تحل الأمور بالتفاهم والتداول بين الناس، يجب أن يفكر كل منا في ما يفيد وفي ما يوفر الخير لأمته ونفسه سواء للصديق الجار أو للبعيد خصوصاً في هذا الوقت، لقد تطورت المواصلات ولم يعد في العالم موقع بعيد وآخر قريب، بل أصبح البعيد قريباً ونتج عن هذا ما نراه الآن، فالشرق يتعامل مع الغرب، والغرب يتعامل مع الشرق وكلاهما بعيد عن الآخر، ويبقى أقصى الدنيا وبينه وبين الآخر مساحات ومسافات، ولكن الصداقة تقود، والتعاون يزداد، وتنمو بينهم المصالح والعلاقات الاقتصادية)، فهذا النص من أبلغ نصوص الشيخ زايد في السلم وصناعته، لأنه يؤسس لمنهجية كاملة واستراتيجية واضحة وضرورية في هذا العصر، فحين قال هذا الكلام لم يكن حينئذ هذا التقدم في الاتصالات والانفتاح السريع بين مختلف الدول والمجتمعات. 
إن السلم وشق دروبه ضرورة إنسانية وحضارية لا محيد عنه، وهو أصل شرعي معتبر، أخذ به نبي الرحمة والسلام عليه الصلاة والسلام في مواقف خالدة من سيرته العطرة، وكان في أخذه لهذا المبدأ إيمان منه راسخ بأن الرفق ما كان في شيء إلا زانه، وأن العلاقة السلمية الإيجابية بين جميع الأفراد والمجتمعات والدول، سياج تحمى به الأرواح، وتصان به الأنفس، فقد ركز الإسلام على مبدأ السلم وأقره، قال الله تعالى: (وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلۡمِ فَٱجۡنَحۡ لَهَا)، وقال سبحانه: (يَٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ ادۡخُلُواْ فِي السِّلۡمِ كَآفَّة)، وقال عز وجل: (فَإِنِ اعۡتَزَلُوكُمۡ فَلَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ وَأَلۡقَوۡاْ إِلَيۡكُمُ ٱلسَّلَمَ فَمَا جَعَلَ ٱللَّه لَكُمۡ عَلَيۡهِمۡ سَبِيلا).
فالسلم يؤسس للتنمية المستدامة، والاستقرار الواعي، وليس فقط عاملًا للتعايش، فحسب.
وانطلاقًا من رواسخ الدين المؤسسة لقيم السلم والسلام، نرى سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، يحفظه الله ويرعاه، يرعى مبادرة في السلم نادرة، وميثاقًا في العلاقات مبهراً في نتائجه، وثقيلاً في موازين راجحية المواثيق والعهود بين الدول، يقوده في هذه الخطوة إيمانه بقيم دينه التي طالما تشبع بها، وانطلق منها، ومحبته الصادقة لقيم السلم وحماية الإنسان في هذه المنطقة، والتحدي الذي أخذه على عاتقه من خلال الرهان على هذه المنطقة، وأنها قادرة على الاستئناف الحضاري من جديد. إن التاريخ لا يَنْسى، وسيسجل بمداد من النور ما أنجزه هذا القائد لشعبه وللإنسانية جمعاء، بهذه الخطوة التي قطعت على المشاغبين وأصحاب الأهواء والمتاجرين بأرواح الملايين مآربهم، ولن ينسى التاريخ كذلك قيادته الاستثنائية في توعية الشباب وحمايتهم من الأخطار المحدقة، وتوطيد العلاقات الدولية، وتوثيق الأخوة الإنسانية، والوقوف سداً منيعاً أمام الحاقدين والأعداء، وسنة الله الجارية منذ خلق الله البشرية أن المفترين والكاذبين الحاقدين الطامعين لم تَسْلَم من ألسنتهم وسهامهم جميعُ الرسل والأنبياء والأخيار، ولكن مآلهم وما يرّوجون له -في النهاية- الفشل الذريع والسقوط الفاضح، (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ)، وفي سيدي صاحب السمو، حفظه الله، يحق للشعراء المدح الصادق والثناء الواجب:
فلله درُّ حكيم همام سليل الكرام وبحر السلام
يسوس الأمور بسلم وفكر  بحنكة رأي يدير الجسام
ويشفي الصدور لأمة سلم  بسطوة حرب أذيقت حمام
فوفق إلهي لنا قائداً  وحقق به سلمنا المستدام
وأكرم إلهي إماراتنا  بأمن يعم مداه الأنام