قبل خمس وسبعين سنة، في يومي السادس والتاسع من أغسطس 1945، ألقى سلاح الجو الأميركي قنبلتين نوويتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين. وفي غضون أيام قليلة على ذلك الهجوم، وافقت اليابان على الاستسلام من دون شروط، لتضع بذلك الحرب في المحيط الهادئ أوزارها. إلقاء القنبلتين، وعلى الرغم من أنه كان مثيراً للجدل وما زال إلى اليوم، أظهر على نحو دراماتيكي تفوق القوة العسكرية والسياسية الأميركية. 
وبعد أربعين عاماً على ذلك، في أغسطس 1990، غزا العراق الكويت، وتعهد الرئيس الأميركي جورج إتش. دبليو. بوش (بوش الأب) بتحرير الكويت. وعلى مدى الأشهر التالية، عملت الولايات المتحدة على حشد ائتلاف استثنائي من البلدان، شمل الاتحاد السوفييتي، ومعظم البلدان العربية، والحلفاء المهمين في أوروبا واليابان. كما حُظيت إدارة بوش بمباركة مجلس الأمن الدولي الذي مرر القرار 678. هذا الأخير منح العراق مهلةً تنتهي في الخامس عشر من يناير 1991 لإخلاء الكويت، أو مواجهة «كل الوسائل الضرورية» من أجل طرد قواته. لكن الزعيم العراقي صدام حسين رفض المهلة، فبدأت الحرب في السادس عشر من يناير بحملة جوية ضخمة استُخدمت فيها ذخائر جد مميتة وعالية الدقة. وبدأ الغزو البري للكويت في الخامس والعشرين من فبراير، وانتهى بعد مئة ساعة بالضبط على انطلاقه، في السابع والعشرين من فبراير، عندما أعلن بوش والائتلاف الدولي النصر. وفي وقت لاحق من ذاك العام، انهار الاتحاد السوفييتي، وانتهت الحرب الباردة، لتصبح بذلك الولايات المتحدة القوة الأعظم في العالم. 
غير أنه خلال ثلاثين عاماً، التي أعقبت حرب الخليج الأولى، أهدرت الولايات المتحدة مكانتها كزعيمة للعالم. كانت الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001 تنذر بعهد جديد من السياسة الأميركية أكثر تشدداً وأقل اهتماماً برغبات الحلفاء والأصدقاء وآرائهم. والواقع أنه كان ثمة دعم كبير للهجمات الأميركية الأولى على حركة «طالبان» في أفغانستان، خريف عام 2001، على اعتبار أنه انطلاقاً من ذلك البلد خطّط الإرهابيون المسؤولون عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر لهجماتهم. غير أنه في عام 2003 قررت أيضاً إدارة الرئيس جورج دبليو. بوش غزو العراق من أجل تنحية صدام حسين. وكان قراراً مثيراً للجدل، ولم يحظ بالدعم من مجلس الأمن الدولي، ولا بالدعم السياسي، أو العسكري، أو المالي، من حلفاء الولايات المتحدة المهمين، مثل فرنسا وألمانيا. وإذا كان صدام حسين قد هُزم وقُبض عليه وأُعدم في نهاية المطاف، فإن حرب العراق تُعد في الواقع واحداً من أسوأ الأخطاء في التاريخ الأميركي. فتداعيات تلك الحرب ما زالت تلاحق الولايات المتحدة إلى اليوم، وقد تسببت في فوضى واضطرابات في المنطقة، ساهمت في الحرب السورية الأهلية الكارثية التي اندلعت في 2011، وما زالت من دون حل. 
وخلال هذه المدة، أعادت روسيا تأكيد وجودها، وباتت لاعباً أساسياً في الخريطة الجيوسياسية للعالم، وخاصةً في أوروبا والشرق الأوسط. كما أصبحت الصين قوة عالمية ترفض الأجندة الغربية المروِّجة للديمقراطية الليبرالية العالمية على أنها نظام الحكم العالمي المفضل. وفي الأثناء، لم يعد الاقتصاد الأميركي المهيمن، وإن ما زال الأكبر في العالم، وبات نفوذ الولايات المتحدة في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا يواجه تحديات فعلية من قبل روسيا والصين وقوى إقليمية. 
وفضلاً عن ذلك، تواجه الولايات المتحدة اليوم أزمة ثقة. فأصدقاؤها الأكثر وفاءً مستاؤون من «توغلات» الرئيس ترامب في الدبلوماسية العالمية، من قبيل جهوده الاستعراضية الرامية لبدء علاقة جديدة مع الدكتاتور الكوري الشمالي كيم إيل جونغ، وقراره الزئبقي وأحادي الجانب، القاضي بفرض رسوم جمركية على صادرات العديد من شركاء الولايات المتحدة التجاريين. 
غير أن طريقة تعاطي ترامب مع الرد الأميركي على وباء كوفيد-19 أضرت بسمعة الولايات المتحدة عالمياً أكثر مما فعلت كل الأخطاء والزلاّت الأخرى تقريباً. فاليوم، بلغ عدد الإصابات المسجلة في الولايات المتحدة أكثر من 5 ملايين حالة إصابة مؤكدة بفيروس كوفيد-19، وأكثر من 165 ألف حالة وفاة، وهو العدد الأكبر في العالم حتى الآن. والحال، أنه كان من الممكن تجنب هذه الأرقام، لو اتُّبعت إجراءات الإغلاق الصحيحة التي حثّ عليها خبراء الصحة. 
واليوم أيضاً، بات لدى أميركا معجبون أقل في العالم. وبدلاً من الإعجاب، هناك شعور متزايد بالأسى والشفقة!