تقول الأخبار الطبية إن روسيا نجحت في تسجيل أول لقاح على مستوى العالم لفيروس كورونا. وهذا يعني ببساطة شديدة أن أنظار أكثر من 7 مليارات شخص على ظهر هذه البسيطة ستتجه اليوم وغداً وبعد غد، صوب موسكو. وهذا يعني ببساطة (معقدة قليلاً) أن عقول أكثر من 7 مليارات شخص حول العالم ستبدأ في خلق تصور ذهني جديد حول روسيا. وهذا يعني ببساطة، لا يمكن الحكم على طبيعتها في الوقت الحالي، أن العالم الذي ظل يسير بقطب واحدة خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، قد ولّى إلى غير رجعة قريبة.
وفي المقابل، فإن أميركا، الدولة التي انفردت بقيادة العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وانكفاء الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين على مشاكل بلاده في تسعينيات القرن الماضي، تأخرت كثيراً على غير عادتها، في طمأنة الخائفين والمتوجسين والمنتظرين في أنحاء المعمورة بسبب وقوعها تحت تأثير «الصدمة الترامبية» التي وجدت نفسها أسيرة لها منذ الثامن من نوفمبر 2016.
جاء «دونالد ترامب» إلى الحكم بشكل غير منتظر ولا متوقع قبل أربع سنوات، فبدأ في إعادة رسم السياسة الداخلية والخارجية الأميركية من جديد. صبأ على دين الحزب «الجمهوري» الذي حمله إلى الحكم، وفعل كذلك مع دين الحزب «الديموقراطي». جاء بطريقة حكم جديدة، تحمل استراتيجيات وأهدافاً جديدة، وظل يحاول الخروج عن خط السياسة التقليدي الذي تناوب على حفره الرؤساء «الجمهوريون» و«الديموقراطيون» على حد سواء. 
هذا الانقلاب المفاجئ في منهج الدولة العميقة في أميركا، جعل من أميركا التي نعرفها دولة بأكثر من رأس، خلق «أكثر من أميركا». وأصبحت هذه «الأميركات» تعمل ضد بعضها في كل الملفات. أصبح الكونجرس متحدثاً باسم السياسة الخارجية، وصار البيت الأبيض يتدخل في أعمال اللجان التشريعية. وبقيّت السلطة القضائية منقسمة حول نفسها، لا تقبل التماس مع السلطتين التنفيذية والتشريعية، ولا تفصل دوائرها كل الفصل عنهما.
الصراع بين السلطات الثلاث، سنّة ديموقراطية طالما تعوّد عليها الأميركيون خلال المائتين سنة الماضية، إلاّ أنه هذه المرة تجاوز كل الحدود، واخترق التابوّهات الأميركية كافة التي ظلت محافظة على قدسيتها منذ التأسيس، إلى أن قرر اليساريون و«الديموقراطيون» وبعض «الجمهوريين» انتهاكها بحجة أن حربهم على ترامب ليست حرباً تقليدية متعلقة بمنافسة انتخابية لإقصاء رئيس ينوي الترشح لولاية ثانية، وإنما هي أقرب للحروب العقائدية التي تقتلع من الجذور، وتغير من الخرائط، وتُعيد ترتيب الزمن من جديد إذا اقتضى الأمر.
هذه الحرب العنيفة دخلت في كل شيء، واستخدم المتخاصمون فيها واللاعبون الرئيسيون بها كل ما تصل له أيديهم، بما في ذلك فيروس كورونا «المصاب بالحيرة». ترامب على طرف المعركة يقول إن الفيروس غير ذي تأثير كبير على الصحة العامة، واليساريون و«الديموقراطيون» على الطرف الآخر يقولون - نكاية في خصمهم - إنه كارثة على المستوى الوطني، وبين هذه الرؤية وتلك، تأخرت شركات الأدوية في إنتاج اللقاح بانتظار انقشاع غبار المعركة.
غيّر فيروس كورونا سلوك الناس حول العالم، فهل يغير اللقاح وجه العلاقات الدولية؟
*كاتب سعودي