بينما نحيي الذكرى الخامسة والسبعين لميلاد القنبلة النووية، قد نكون متجهين نحو سباق أسلحة جديد مع روسيا والصين عقب مخططات الرئيس دونالد ترامب استئناف الاختبارات النووية. ووفق تقرير لصحيفة «واشنطن بوست»، فإن إدارة ترامب عقدت مؤخراً محادثات حول تنفيذ اختبارات نووية لأول مرة منذ عام 1992. هذا الخبر أثار قلق المرشح الرئاسي «الديمقراطي» المفترض جو بايدن الذي قال: «إن إمكانية استئناف إدارة ترامب اختبارات الأسلحة النووية في نيفادا، أمر متهور وخطير معاً». 
والواقع أنه لا بد من أن نتذكر مسؤوليتنا، باعتبارنا أول بلد يختبر سلاحاً نووياً، في تزعم العالم للسيطرة على هذا النوع من الأسلحة تمهيداً لإزالته في نهاية المطاف. بل إن هذه الفكرة كانت جزءاً من السياسة النووية الأميركية منذ البداية. فقد كان ثمة خوف حقيقي من أن تكون ألمانيا النازية السبّاقة إلى تطوير قنبلة ذرية، فبدأ «مشروع مانهاتن» سِباقاً إبان الحرب حرصاً على عدم حدوث ذلك. كما كان ثمة قلق متزايد بشأن إمكانية عالم ما بعد الحرب تكون فيه الأسلحة النووية في أيدي الكثيرين، في ما شكّل اعترافاً بحتمية وصول هذه التكنولوجيا الخطرة إلى الاتحاد السوفييتي وآخرين في نهاية المطاف. وفي هذا الإطار، حذّر وزير الحرب هنري ستيمسون الرئيس هاري ترومان بشأن خطر تطوير دول أخرى، بل وحتى منظمات مارقة، لقنبلة ذرية. وقد كانا يدركان أنهما لا يستطيعان الإبقاء على المعرفة بشأن كيفية صنع قنبلة ذرية سراً إلى الأبد. 
وبفضل الجهود البحثية السرية الناجحة لعالم الفيزياء جاي. روبرت أوبنهايمر وفريق العلماء الذي كان يقوده بمختبر لوس ألاموس في ولاية نيومكسيكو، فجّر الجيش أول قنبلة ذرية، وكان اسمها «الثالوث»، في 16 يوليو 1945. 
وبعد ذلك ببضعة أسابيع، ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناغازاكي في أغسطس 1945 لإنهاء الحرب العالمية الثانية في المحيط الهادئ. وحذّر البعض من استخدام القنابل الذرية أصلاً في الحرب، وعقب الحرب، ظهرت تلك التحذيرات من جديد لتشكّل السياسة النووية. وفي عام 1946، وبعد دراسة تأثير القنبلة الذرية، اعتبر مسح «القصف الاستراتيجي الأميركي» أن بلدنا، «باعتباره مطوِّر هذا السلاح المهدِّد ومستخدمه، لديه مسؤولية ينبغي ألا يتنصل منها أي أميركي، ألا وهي مسؤولية تزعم العالم بخصوص إنشاء الضمانات والضوابط الدولية التي ستحول دون استخدامه مستقبلاً وتطبيقها». 
وهكذا، وبينما وسّعت الولايات المتحدة ترسانتها، قامت أيضاً بصياغة استراتيجيات من أجل السيطرة على استخدام تلك الأسلحة ومنعها، من الرئيس دوايت آيزنهاور إلى الرئيس باراك أوباما. 
غير أنه ولئن سعى الرؤساء الأميركيون من كلا الحزبين على مدى 60 عاماً إلى الحد من انتشار الأسلحة النووية وتقليص احتمال استخدامها، فإن ترامب بدأ يفكك تلك الجهود. إذ سحب الولايات المتحدة من اتفاقيات أسلحة مثل معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى واتفاق إيران النووي. وإضافة إلى ذلك، فشل في تمديد اتفاقية «ستارت الجديدة» التي ينقضي أجلها أوائل العام المقبل. وإذا انقضى أجلها دون تجديد أو استبدال، فحينها لن تكون ثمة أي اتفاقية لمراقبة أكبر ترسانتين نوويتين. ولن تكون هناك ثقة ولا تحقق. والحال أن هناك نحو 14 ألف سلاح نووي على الصعيد العالمي اليوم، وفق «رابطة مراقبة الأسلحة»، معظمها في حوزة الولايات المتحدة وروسيا. وقد بتنا نعيش دائماً في خوف من إمكانية حيازة مزيد من الدول، وربما حتى إرهابيين، لأسلحة الدمار الشامل هذه. 
غير أن ترامب ما زال يرفض الدبلوماسية النووية مثل معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية التي تحظر كل تفجيرات التجارب النووية. وبالمقابل، مضى قدماً بشأن مخططات تحديث الرؤوس النووية الباهظة التي ستستنزف موارد أميركا الثمينة أكثر، ما يستلزم رصد مليارات الدولارات كل عام للأسلحة النووية. 
والواقع أن كل البلدان تتقاسم عبء الرؤوس النووية، وكل بلد سيستفيد إذا ما حوّل موارده من الرؤوس النووية نحو إطعام الجوعى ومحاربة الأمراض وتغير المناخ. 
غير أن هذا يتطلب زعامة أميركية في هذا الموضوع. ومثلما قال آيزنهاور بشأن نزع التسلح في عام 1955، فـ«إنه سيخفّف المخاوف من الحرب في قلوب الناس القلقين في كل مكان. وسيخفّف الأعباء على ظهور الناس. وسيمكّن كل بلد، كبيراً كان أم صغيراً، متقدماً كان أم أقل تقدماً، من رفع مستوى معيشة شعبه، وتحسين المأكل والملبس والمأوى، وتحقيق مزيد من التعلم والتمتع أكثر بالحياة». 
لقد غيّرت أول قنبلة نووية عالمنا في يوليو 1945، وكانت السلاح الأخطر، ونتيجة من نتائج الحرب العالمية الثانية، وأحد أسباب سباق التسلح النووي خلال الحرب الباردة.
لكن، وبينما نستحضر هذه اللحظة التاريخية، لا يمكننا أن ننسى العواقب الخطيرة التي ما زالت تطرحها الأسلحة النووية بالنسبة للعالم اليوم. ولهذا، يجب ألا نتراخى بشأن هذا التهديد بعد كل هذه السنوات ونقبل وجودها ببساطة. وبعد 75 عاماً على «الثالوث»، لا شك أن حظر الاختبارات النووية والعمل من أجل القضاء على الرؤوس النووية هما السبيل المنطقي الوحيد للتقدم. فالأسلحة النووية يجب أن تصبح جزءاً من تاريخنا فقط، وليس تهديداً لمستقبلنا.

ويليام لامبرز

كاتب وصحافي أميركي، ومؤلف كتاب «الأسلحة النووية، والطريق إلى السلام وإنهاء الجوع العالمي»
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»