كشفت ردود الفعل الدولية على بدء تشغيل الوحدة الأولى في محطة «براكة» النووية عن الثقة التي تحظى بها دولة الإمارات العربية المتحدة على المستوى العالمي، وعن ارتباط صورة الدولة في الذهنية العالمية بقيم الكفاءة والجدارة والمسؤولية، والمصداقية التي رسختها عقود من الممارسة السياسية القائمة على الصراحة والوضوح ودعم الجهود الرامية إلى إقرار السلم والأمن والاستقرار في العالم.
لقد ارتبطت المفاعلات النووية على الدوام بمخاوف من إمكانية تحويل أغراضها عن الجانب السلمي إلى الجانب العسكري، إذ نظر العالم نظرة شك إلى محاولات بعض الدول امتلاك قدرات نووية، وفرض عليها قيوداً قاسية جعلت هذا الهدف ينطوي على تكلفة سياسية واقتصادية باهظة. أما دولة الإمارات، فقد اكتسبت دعماً كبيراً لبرنامجها النووي، بفضل الشفافية التي اتسمت بها سياساتها، وسجلها الناصع في احترام القيم والأعراف الدولية، وتجنب كل ما من شانه أن يؤدي إلى إثارة التوتر، وكذلك قدرتها على ردع أعدائها والدفاع عن نفسها من دون حاجة إلى السلاح النووي. وقد أثبت استثمار دولة الإمارات في المصداقية والمسؤولية الدوليتين أنه يوفر الكثير من التكلفة، ويعود عليها بأرباح كبيرة، لا تتوقف عند الجانب المعنوي، بل تُترجم إلى مكاسب مادية ملموسة.
وبدلاً من التشكك والتوجس اللذين تُواجَه بهما محاولات دول أخرى، فقد لقيت الإمارات ترحيباً خالصاً بدخولها نادي الدول المستفيدة من الطاقة السلمية، وتوالت أشكال التعبير عن الرغبة في التعاون معها من جانب القوى الدولية الكبرى. ويمكن أن نجد مثالاً واضحاً على ذلك في تهنئة وزير الطاقة الأميركي، «دان بروليت»، دولة الإمارات على تدشينها العمل في محطة «براكة» للطاقة النووية عبر تغريدة على «تويتر»، قال فيها: «تتطلع الولايات المتحدة الأميركية إلى شراكة مستمرة مع دولة الإمارات في الوقت الذي تشرع فيه بتطوير هذا الشكل النظيف والموثوق به من الطاقة، ملتزمةً بأعلى معايير منع انتشار الأسلحة النووية والسلامة».
يرتبط الترحيب الدولي بالثقة بالكفاءة الإماراتية أيضاً، ذلك أن تشغيل المفاعلات النووية تكتنفه مخاوف حول السلامة والأمن، بالنظر إلى تجارب سابقة كانت فيها حوادث التسرب النووي ذات أضرار هائلة. وقد أكدت ردود فعل المسؤولين الدوليين والخبراء الثقة التامة بمراعاة أعلى إجراءات الأمن والسلامة في محطة «براكة». وفي هذا الإطار، كانت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، شريكاً وطرفاً حاضراً وفاعلاً في كل مراحل البرنامج النووي الإماراتي. وقد هنأ «رافائيل ماريانو غروسي»، المدير العام للوكالة، دولةَ الإمارات على بدء العمليات التشغيلية في المحطة، مُعرباً عن دعمه الدولة في استخدام الطاقة النووية، من أجل توفير طاقة صديقة للبيئة، والحد من ظاهرة تغير المناخ.
هذه الثقة ذاتها ظهرت في تصريحات مسؤولين وخبراء كبار، من بينهم «هانز بليكس»، المدير العام السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي قال إن «الطريقة العملية والمهنية التي رأيتها في المشروع، وتتبعها الحكومة والجهات المسؤولة تفيض بالاحترام والثقة. لقد استفادوا بشكل كامل من الخبرة النووية العالمية الواسعة.. وأصبحوا نموذجاً يحتذى به للدول الأخرى التي ترغب في دخول صناعة الطاقة النووية الحديثة». وتكررت المعاني نفسها في البيان الذي أصدرته «أجنيتا رايزينغ»، المدير العام للرابطة النووية العالمية، وجاء فيه أن «محطات براكة للطاقة النووية ستنتج طاقة كهربائية موثوقاً بها ومستدامة منخفضة الكربون، تنير المنازل وتدعم النمو الاقتصادي في الدولة».
ومثل هذه الثقة إنما ترتكز على قائمة كبرى من النجاحات السابقة للدولة، ذلك أنه قبل عشرة أيام تقريباً من تدشين العمل في محطة «براكة» كان «مسبار الأمل» يحلق في رحلته إلى المريخ، ليخط تاريخاً جديداً، ويُطلع العالم مجدداً على فصل جديد في ملحمة التفوق على أرض دولة الإمارات.

عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية