البعض منا يحسد المشاهير، ويتمنى يوماً أن يصبح مثلهم يُشار إليه بالبنان، وأن يكون في بؤرة الاهتمام محاطاً دوماً بالمعجبين. وفي اعتقادنا أن حياة هؤلاء المشاهير كلها سعادة وسرور، لكن الواقع يكشف أن هذا غير صحيح، فكما يقول المثل (كل شيء ينقلب إلى ضده إذا زاد عن حده)، لذا كثيراً ما نرى ونسمع الحكايات عن انزعاجهم من الأضواء التي تسلط على حياتهم الخاصة ولا تترك لهم مجالاً للتنفس حيث تطاردهم «فلاشات» الكاميرات ليل نهار حتى في أحلامهم لتحولها إلى كوابيس. كثيرة هي القصص التي تكشف لنا الآثار السلبية للأضواء الكثيفة والتركيز الإعلامي على الحياة الخاصة للنجوم، لكن قصة الليدي ديانا تبقى هي الأكثر فظاعة، ومازالت الذاكرة تحتفظ بتفاصيل مصرعها المأساوي في حادث سيارة عام 1997 وهي تحاول الهروب من المصورين المرابطين أمام مقر إقامتها في باريس، لقد شكل مصرعها نموذجاً صارخاً لقسوة الشهرة والأضواء و«فلاشات» الكاميرات التي تحاصر نجوم المجتمع فتحول حياتهم إلى جحيم لا يُطاق، وقد جعلت من الأميرة الراحلة عبرة لمن لا يعتبر. 
ومن هنا أجدني متعاطفاً مع الأمير هاري، الذي تنازل مؤخراً عن موقعه الملكي من أجل حماية حياته الخاصة وحماية زوجته ميجان ماركل وطفلهما آرتشي. قرار الأمير أعاد للأذهان قصة إدوارد الثامن الذي تنحى عن العرش في انجلترا قبل 84 عاماً، بسبب زواجه من أميركية مطلقة، فأطاحت به الصحافة الإنجليزية وشوهت سمعته بكل قسوة حتى أنهم تداولوا أحاديث عن علاقته بهتلر ليظل تاريخه نقطة سوداء. حفيد ملكة بريطانيا عبّر عن حزنه لاضطراره التخلي عن واجباته الملكية، وحمّل الإعلاميين الذين (دنسوا حياته)، مسؤولية هذا القرار، وأكد على أنه لم يملك خياراً آخر أملاً في عيش حياة هادئة، وقال «دوق ساسكس» مخاطباً المتعاطفين معه: عندما فقدت أمي قبل نحو 23 عاماً، احتضنتموني، لكن لوسائل الإعلام قوة كبيرة، وآمل أن يأتي اليوم الذي يكون فيه دعمنا الجماعي أكثر قوة.
وفي تقديري أن الأمير الذي خسر مكانة اجتماعية مميزة، تحرك لا شعوريا حتى لا تتكرر مأساة والدته فلا يزال شبح ما جرى لها ماثلاً أمام عينيه، ولا يريد ولا يتمنى أن يحدث له ولزوجته ما حصل لأمه.. ولهذا فضّل الهدوء وراحة البال، وأن يمضي أياماً جميلة برفقة أسرته الصغيرة، لكن متاعب الأمير لم تنته، ولا يبدو أن ملاحقة الصحفيين له ستتوقف بعد الهجرة عبر المحيط الأطلنطي. والطريف أن «هاري» و«ميجان» يعرفان جيداً أن متاعبهما مع الإعلام لن تنتهي، ويتوقعان أن تتم ملاحقتهما خلال مشاركتهما في مناسبات عامة دون المساس بحياتهما الخاصة، التي يعتبرانها خطاً أحمر وقد تجاوزه المصورون في الأسبوع الماضي، مما دفعهما لتقديم شكوى ضد المصورين الذين قاموا بالتقاط صور لابنهما «ارتشي» خلسة في حديقة منزلهما. القضية تستند على قانون في كاليفورنيا يمنع التقاط صور في منزل أفراد حتى لو تم ذلك من خارجه. المثير أن المصورين يستخدمون وسائل وإمكانيات كبيرة لخرق الجدران التي تتحصن بها الأسرة في مقر إقامتها بمنطقة بيفرلي هيلز، حيث يقوم المصورون بالتحليق فوق المنزل في مروحيات أو إحداث ثقوب في السياج المحيط به، هذه الأجواء المزعجة دفعت ميجان إلى إعلان ندمها لأنها لم تستمع لنصائح الأصدقاء المقربين بشأن الارتباط بالأمير الإنجليزي، حينما قالوا لها: (الصحف البريطانية ستدمر حياتك)، مؤكدة على أنها لم تتوقع أن يكون الأمر بتلك الصعوبة معلقة بالقول: (كنت ساذجة عندما لم أصدق ما قالوه)...
وهكذا خلف الصور البراقة والحياة المرفهة والقصور الفائقة الجمال، تبدو حياة النجوم والمشاهير حافلة بالقصص المثيرة في تفاصيلها الإنسانية، والتي تبقى دوماً عرضة لكشف أدق أسرارها، عندما تتحرك العدسات نحوهم فتفتش في أركان وزوايا حياتهم الشخصية وتقوم بتشريحهم أمام الجميع وتحرمهم من الخصوصية في أدق شؤون حياتهم لتتركهم مكشوفين على قارعة الطريق تلوكهم الألسن وتتصفحهم العيون دون أن تمنحهم فرصة للاختباء أو التقاط الأنفاس. إنها ضريبة الشهرة.