نسمع كثيراً عن المساعدات الإنسانية الأميركية لسوريا وعن رغبتها في السلام هناك، ومن جهة أخرى نسمع عمّا يدور في سوريا من صراع دولي على النفوذ والهيمنة الدولية، وهو في الواقع صراع على أنابيب الغاز السُنية والشيعية، والاتفاق القطري- التركي الذي لا بدّ أن يمرّ من خلال الأردن وسوريا، وكذلك الغاز الإيراني إلى أوروبا، وهما مشروعان يعتبران تهديداً للمصالح الوطنية الروسية، التي يذهب 75% من غازها إلى أوروبا، مما يجعل هذه الأخيرة تحت رحمة الغاز الروسي، وهو عامل توازن استراتيجي مهم على ساحة العمليات الاستراتيجية الدولية، ومكمن للصراع الخفي على وضع موطأ قدم في سوريا لمدة طويلة، وذلك من خلال تقسيم سوريا والعقود التي تبرم مع الفصائل المختلفة تحت مسميات «جيوش حرة» وحركات انشقاقية أو تحررية، وتلك العقود ترجع لشركات الغاز والنفط الأميركية والإسرائيلية والصينية والروسية وغيرها، وعقود إعادة الإعمار مع الشركات الروسية والصينية والإيرانية والفرنسية، والدور الذي يلعبه موقع سوريا الاستراتيجي، حيث تقع على مفترق الطرق بين أفريقيا وأوروبا والقوقاز وآسيا الوسطى.
وما يخدم المصالح الأميركية في حرب استنزاف غير دموية تخوضها، ولا تستهدف عرقلة سياسة «البحار الأربعة»، والتي كانت تأمل الصين من خلالها في خلق كتلة اقتصادية موحدة بين سوريا والعراق وتركيا وإيران، مما يربط البحر الأبيض المتوسط وبحر قزوين، البحر الأسود والخليج العربي ويحولها إلى كتلة اقتصادية واحدة، وإقامة رابطة اقتصادية ناجحة بين هذه الدول سيشكل تهديداً لخطة الهيمنة الأميركية للمنطقة، وهو عامل محفز لدعم الولايات المتحدة للمتطّرفين والمناهضين للحكومة السورية، وضمان عدم الاستقرار في الأراضي السورية سواءً كان الأسد في السلطة أو غيره.
وتكمن المصلحة الأميركية في تعطيل وإيقاف إدخال سوريا في مبادرة «الحزام والطريق»، ووضع العراقيل أمام الصين كي لا تجدّد مبادرة «البحار الأربعة» بشكل استراتيجي، وتسمح بالمزيد من تواصل شبكات التجارة والنقل مع تركيا ولبنان والعراق وإيران والأردن، في حين تتدخل بشكل أسهل في شبه الجزيرة العربية، وتعزّز الاستقرار والتعاون بين هذه البلدان المتنافسة، وتلتف على أميركا بالتعاون مع تركيا وروسيا وإيران في أوروبا، من خلال ورقة إمدادات الطاقة وتوفير آلاف الوظائف.
وقد قدرّت الأمم المتحدة أن عملية إعادة الإعمار في سوريا ستكلف حوالي 260 مليار دولار أميركي، مما يخلق فرصاً للصين والاتحاد الأوروبي في مشاريع ضخمة لإعادة الإعمار، وهي صناعة العصر الحديث الأسرع في تحقيق أرباح طائلة، ولا تتنازل أميركا وتركيا وغيرهما عن نصيبهم من تلك التركة ودخول الشركات الأميركية بقوة في التعاقد مع كل الأطراف، وتمزيق الوحدة السورية، واستخدام السيطرة على حقول النفط لاستعادة النفوذ السياسي الأميركي في سوريا، كما أن الفوضى والتشرذم داخل سوريا يخلقان فرصاً أوسع لتفاقم الصراع داخلها وخارجها، ولتحقيق مصالح الدول العليا، لا بدّ من وجود عدو ونقطة صراع محورية، تمثل قوة ضغط في المفاوضات في بيئات متنوعة، والتحكم بالأسواق الحيوية من خلال خلق حاجة ماسة دائمة للتواجد الأميركي للدفاع عن من يتم وضعهم في مواقف لا يحسدون عليها، وإضعاف مركز القوة الإقليمي كمصر ومحاصرتها بالتهديدات، وبالتالي إخضاع جميع اللاعبين الفاعلين لمبدأ العزلة في أزمات غير مسبوقة لصناعة نظام عالمي جديد، يخضع لشروط جديدة، ستعيد تمركز قوى العالم في المنطقة استراتيجياً.