في الشهر الماضي، سافرت مع أسرتي لقضاء فترة استراحة من الربيع الفوضوي الذي قضيناه تحت الحجر الصحي. وأثناء الإجازة، قرأت كتابين جديدين عن الاقتصاد الكلي. أولهما بعنوان «ثمن السلام»، لمؤلفه «زخاري كارتر»، وهو عبارة عن السيرة الذاتية للخبير الاقتصادي البريطاني «جون ماينارد كينز»، ويوضح القوة الهائلة للنظرية الاقتصادية لتغيير مصائر الأمم وحياة الملايين من الناس. أما الثاني فبعنوان «أسطورة العجز»، وفيه قلبت الخبيرة الاقتصادية «ستيفاني كيلتون»، بشكل مقنع، الحكمة السائدة القائلة بأن عجز الميزانية الفيدرالية سيء إلى حد ما بالنسبة للأمة.
لقد أثار هذان الكتابان أول إشارة حقيقية للتفاؤل شعرت بها بشأن مستقبل أميركيا منذ فترة طويلة. فهما يشيران إلى قضية سياسية وأخلاقية واقتصادية دامغة، لكي تبدأ الحكومة الفيدرالية في القيام بها، وهو ما اعتبرته في السابق واجبها، أي القيام باستثمارات كبيرة وجريئة، وحتى مكلفة، لتحسين حياة الأميركيين، وربما الناس حول العالم.
في السنوات القليلة الماضية، خاصة في الشهرين الأخيرين اللذين كانا أشبه بالجحيم، شعرت الولايات المتحدة وكأنها دولة فاشلة. ففيروس كورونا آخذ في الانتشار، والاقتصاد ينهار، والمجتمع ينقسم، والبنية التحتية تنهار، والرعاية الصحية مكلفة وغير كافية، ورعاية الأطفال مستحيلة، ومستوى العمر المتوقع ينهار.
إن الحكومة الفيدرالية ليست غير راغبة في كثير من الأحيان في المساعدة، لكنها أيضاً تبدو غير قادرة على ذلك. وللقيام بأي شيء، يتعين على «العم سام» طلب المساعدة من الشركات الخاصة العملاقة التي تحكم الآن جزءاً كبيراً من حياتنا. هل ستنشئ شركة جوجل موقعاً إلكترونياً لاختبار فيروس كورونا؟ وهل ستنشئ شركة وولمارت مواقع اختبار شخصي؟ 
متى كان أي شخص من الشجاعة بما يكفي ليقترح أن تقدم الحكومة نفسها خدمات مفيدة للمواطنين –سواء أكانت خدمات باهظة الثمن (مثل الرعاية الصحية ورعاية الأطفال والتعليم الجامعي) أم أشياء صغيرة (مثل شبكة كهرباء مطورة أو خدمة وطنية عريضة النطاق)- فإن أول رد فعل من الكثيرين (من اليمين واليسار) هو الهزيمة والاستقالة. فهم يسألون: «كيف ستدفع مقابل ذلك؟». وغالباً ما تتوقف المحادثة عند هذا الحد، لأنه مع بلوغ الدَّين الوطني 26.5 تريليون دولار، تبدو أميركا محطمةً بشكل لا أمل فيه.
ليس الأمر كذلك، حيث تقول «كيلتون» إن عدم قدرة حكومتنا على تقديم خدمات للمواطنين ليس بسبب نقص المال، ولكن بالأحرى لأن قادتنا يفتقرون إلى الإرادة السياسية. وتعد كيلتون التي عملت خبيرة اقتصادية لـ«الديمقراطيين» في مجلس الشيوخ، واحدة من المؤيدين الرائدين للنظرية النقدية الحديثة (إم إم تي). وتجادل هذه النظرية بأنه نظراً لأن الحكومة مسؤولة عن العملة الخاصة بها، فلا يمكن أن «ينفد» المال بالطريقة التي تحدث مع أسرة أو عمل تجاري، وهي لذلك ليست بحاجة إلى زيادة الضرائب لتمويل الإنفاق الحكومي.
وهذا لا يعني أن موارد الحكومة لا حصر لها، ولكن فقط لأن العجز ليس حداً حقيقياً لما هو ممكن. وتجادل كيلتون، وغيرها من مؤيدي النظرية النقدية الحديثة، بأنه بدلاً من التقيد بالعجز، يجب أن يهتم صانعو السياسة بالتدابير «الحقيقية» للنشاط الاقتصادي: البطالة والتضخم.
ومهما كان العجز، إذا كانت البطالة منتشرة، فهذا مؤشر على أن إجمالي الطلب منخفض. ولتعزيز الطلب، يمكن للحكومة أن تنفق وتنفق بحرية، ويجب أن تتوقف عن الإنفاق فقط عندما يكون هناك خطر من أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار، أي إلى التضخم، وليس لأن مستويات العجز سترتفع. ومن الناحية العملية، تقترح كيلتون وغيرها من مؤيدي النظرية النقدية الحديثة ضماناً فيدرالياً لتوفير فرص العمل، حيث تقوم الحكومة بتوظيف أي شخص يحتاج إلى وظيفة مقابل أجر محدد. وتجادل بأن هذه السياسة ستعزز العمالة الكاملة مع المحافظة على استقرار التضخم.
وتعد النظرية النقدية الحديثة مثيرة للجدل بين الاقتصاديين ذوي الميول اليسارية. لكن لا يحتاج المرء إلى الاقتناع بكل ما يتعلق بالنظرية لفهم وجهة نظر كيلتون الأساسية، فمنذ فوز رونالد ريجان بالبيت الأبيض، قبل حوالي أربعين عاماً، ظل كل من اليمين واليسار مهووسَين بالعجز على نحو غير ضروري، على حساب رفاهية المواطنين الأميركيين.
والآن، ونحن في خضم الجائحة، يحتاج الاقتصاد إلى أكبر قدر ممكن من المساعدة، ففي شهر مارس الماضي، أقر الكونجرس قانون «مكافحة فيروس كورونا ودعم جهود الإغاثة وتعزيز الأمن الاقتصادي» أو «قانون كيرز»، ووقّعه الرئيس، حيث قدم القانون حوافز اقتصادية بقيمة تزيد على 2 تريليون دولار. وتشير الدراسات إلى أن له تأثيراً ملحوظاً –رغم الزيادة الحادة في البطالة بسبب الفيروس- وإلى أن التوسع في المساعدات حال دون زيادة الفقر.
لكن معظم التحفيز سينتهي قريباً. ويعمل الكونجرس على إقرار حزمة إغاثة أخرى، لكن المشرعين يتشاجرون بشأن حجمها: أقر «الديمقراطيون» في مجلس النواب مشروع قانون بقيمة 3 تريليونات دولار، ويتطلع ترامب و«الجمهوريون» في مجلس الشيوخ إلى حزمة تقترب من تريليون دولار.
وفي آخر كتابها عن «كينز»، تكتب كيلتون أن النظرية الكنزية «ليست مدرسة فكرية اقتصادية بقدر ما هي روح من التفاؤل الراديكالي، غير مبرر من قبل معظم التاريخ البشري، ويصعب للغاية استحضارها عند الضرورة القصوى».

*كاتب أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»

Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/07/22/opinion/economy-spending-modern-monetary-theory.html