الحرب الأخيرة (المفترضة) بين «حزب الله» وإسرائيل على الحدود اللبنانية الجنوبية وقعت ولم تقع، أو لم تقع ووقعت! إنه الالتباس. وهي الأسئلة: هل عبَرت مجموعة «حزب الله» الخط الأزرق الفاصل لتشن هجوماً على إسرائيل، أم لم تعبر؟ هل نجحت إسرائيل في إفشال عملية الحزب، أم أن الهجوم لم يحصل لكي تفشله؟
الواقع، أن كل الدلالات والتصريحات الإعلامية وسواها للحزب، مهّدت لاحتمال حدوث هذا الرد، انتقاماً لقتل إسرائيل أحد عناصر الحزب في سوريا: أيكون الرد في سوريا؟ ربما، لكن يبدو أن الروس لم يسمحوا به من هناك، فأحالوه على لبنان. حسناً، وهذا يتوافق و«صدقية» حسن نصر الله (الموصوفة) بتهديده إن قتلت إسرائيل أحد عناصره (بعد سليماني)، فسيكون الرد في لبنان، فهو أقدر في «بلاد الأرز» على خوض معركة، باعتبار أنه يسيطر على الحكومة ومجلس النواب وعلى القرار العسكري والأمني والقضائي، فلا أحد يسائله! ولا أحد يمنعه من تحديد مكان المبارزة وزمانها. وعلى هذا الأساس، بدا من كل ما بثته وسائل الإعلام والصحف أن يوم الاثنين الماضي سيكون يوم المواجهة.. وها هي بدأت: محطات التلفزة المحلية والعربية وحتى العالمية، سمّرت كاميراتها على خطوط التماس بانتظار المعركة. وفي الأثناء، صدرت عن جهات الحزب (غير الرسمية) أنه أطلق صاروخاً على آلية عسكرية إسرائيلية. إذا صحت التوقعات (أي سقط عنصر المفاجأة): الطيران الإسرائيلي يحلّق فوق المنطقة، وصولاً إلى بيروت.. لكن إعلامياً لا شيء عن «المتبارين»، وإن راحت التحاليل تتدفق من أفواه الخبراء والمختصين على الشاشات! الصمت على أرض المعركة، لكن بعد الظهر، ها هي إسرائيل تكسر الصمت، وتعلن أنها صدّت هجوماً قامت به مجموعة من أربعة عناصر من «حزب الله» عبرت الخط الأزرق، وأنها قتلت ثلاثة منهم! ثم، وبعد قليل، نفت إسرائيل وقوع قتلى وجرحى! (بدأ الالتباس).
الحزب، مازال ملتزماً، حتى بدايات الليل، صمت «أبي الهول»؛ لا كلمة ولا إشارة ولا معلومة.. إنها لعبة الإثارة والتشويق، إذن، قبل إعلان الانتصار المظفّر! 
الكل ينتظر، وما زالت الكاميرات مسلطة على خطوط التماس، لكن، وياللمفارقة، ها هو الحزب يلغي أخيراً «المباراة» قبل وقوعها! وينكر حتى وجودها! وقد أكّد أنه لم يشنّ أي هجوم على إسرائيل! واتهم الأخيرة بأنها تبث أكاذيب وتعلن انتصارات وهمية، إذن لا شيء هناك. ولا حتى مسرحية تراجيدية أو هزلية، ولا ممثلون ولا ديكورات.. أي أن إسرائيل، بحسب الحزب، واجهت نفسها، ودار طيرانها حول طيرانها، وردت هجوماً تشنه الأشباح، والظلال. لكن نتنياهو صرّح على الشاشات بأن الأمور لم تنتهِ وإن هدأت، لم تهدأ وإن انتهت! مذكّراً بأن جيشه سيحافظ على جهوزية تامة لرد أي هجوم آخر.
يذكّرني كل ذلك بمسرحية جان جيرودو بعنوان «حرب طروادة لن تقع»، لكن ما أثار تساؤلاتي البسيطة جداً: لماذا تأخر الحزب حتى ساعة متأخرة من الليل، كي ينفي كل العملية، ويقول إنها لم تحدث لا من قريب ولا من بعيد؟ ومما لفت انتباهي أيضاً (ولم يفاجئني) أن الحزب لم يذكر «مزارع شبعا المحتلة»، بل ركّز على الانتقام لمقتل عنصر من عناصره.. فهل كان مطلوباً منه تحجيم مسار المعركة وتوجيه رسالة إيرانية إلى أميركا وإسرائيل؟ بل هل كان السيناريو مرسوماً على الشكل الذي انتهى به؟ وهل كان مطلوباً منه فقط أن يظهِر للعالم مرة أخرى أنه يسيطر على قرار الحرب والسلم في لبنان وعلى كل مفاصل الدولة (خصوصاً بعد نداء البطريرك صفير) وأن كل كلام عن الحياد، هو مجرد كلام في الهواء؟

*كاتب لبناني