سنوياً، نسمع على المستويين المحلي والخليجي عن سياسة العفو التي يحظى بها المحكوم عليهم بالسجن، من غير المجرمين أو المنتمين للمنظمات أو التيارات التي تهدف للمساس بأمن الدول. وفي الأسبوع الماضي أمر حكام الإمارات بالإفراج عن مئات النزلاء، ممن صدرت بحقهم أحكام في قضايا مختلفة، أغلبها مالية، وتكفل الحكام، حفظهم الله، بسداد تلك الغرامات، وذلك بمناسبة عيد الأضحى المبارك. خطوات مثل هذه تهدف إلى تطبيق سياسة العفو والتسامح، ومنح هؤلاء الفرصة للعيش بصورة أفضل، ولبدء حياة جديدة بعد التعلم من أخطائهم السابقة. بل إن المؤسسات العقابية لا تنظر إليهم على أنهم متهمون، بل مخطئون وقعوا بحسن نية في أخطاء قادتهم في نهاية المطاف إلى الزنازين.
هناك نوعية أخرى من المدانين يختلفون عمن سبق ذكرهم، والذين يتعمدون الإساءة إلى بلدانهم، ومثال على ذلك قبل نحو عقد من الزمن، وقبل التعامل الحازم من جانب السلطات المحلية مع التنظيم السري المحلي لجماعة «الإخوان»، كانت السلطات قد ألقت القبض على خمسة مدانين بتهمة التحريض على الفوضى، حين كانوا في حالة انتعاش بسبب اندلاع فوضى «الربيع العربي»، وحُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين سنتين وثلاث سنوات. وكانوا أربعةً إماراتيين وخامساً من فئة البدون، وقد تم بالفعل إصدار عفو تجاههم، بمجرد انتهاء محاكمتهم، فالدولة بسياستها الداخلية والخارجية، الهادئة والرزينة، لا ترغب في إثارة أي بلبلة تستغلها المنظمات الحقوقية الدولية، كالعادة. أما الأمر الصادم، فهو أن هؤلاء المدانين لم يقدروا العفو واستمروا في غيهم يعمهون، بعد أن ظنوا أنهم فوق القانون، باستغلالهم ورقةَ حقوق الإنسان! لذلك، تمت إعادة القبض عليهم مرة أخرى ومحاكمتهم، وهم يقبعون في السجن الآن.
مجموعات حقوقية، معارضون، مدافعون عن الحريات.. أوصاف عدة أصبحنا نسمعها منذ بعض الوقت، وشخصياً لست ضد حقوق الإنسان، لكن هذه «الموضة» تدفعنا للتفكير في سبب ظهور هذه المجموعات، وماهية أهدافها، وإلى أين تريد الوصول؟ أي ببساطة: ما نياتها؟ وهل هي مجرد تقليعة أو موضة وقتية، أم أنها أمست عملاً لمن لا عمل له؛ أي وسيلة لطلب الشهرة من باب «خالف تعرف»؟ هذه الشرذمة يسهل اصطيادها من جهات خارجية، والتعامل مع عناصرها على أنهم مرتزقة، ويتم تمويل الهاربين منهم في الخارج، بدليل اعتراف العديد ممن تم التحقيق معه منهم بحصوله على تمويل من الخارج. كما سبق وأن تم القبض على جواسيس دخلوا الدولة وسجلوا اعترافات بتمويلهم لمثيري الفتن.. ورغم هذا، تم العفو عنهم، ثم تطاولوا مجدداً من إعلام بلدانهم وتوابعها الخارجية.
الإمارات دولة قانون وبها دستور يحترم كافة الحقوق، وحقوق الجميع محفوظة بحكم القانون، وعليه يجب أن يدرك هؤلاء المغرضون أن التعامل السوقي لن يجلب لهم في النهاية سوى ازدرائنا، نحن الإماراتيين، فما يبحثون عنه هو افتعال بلبلة في مجتمعنا، لأهداف مبيتة يطول الحديث عنها. لكن التحلي بروح المسؤولية أساس أي فعل في مجتمعنا، والغوغائية لن تصل بممتهنيها إلى أي مكان. وأن يقوم البعض بادعاءات حقوقية، ويعبث ويشوه سمعة البلد، فهذا أمر مرفوض. 
إنها دعوة للعمل تحت سقف الوطن الذي قدّم لنا الكثير والكثير، أما مَن يغردون خارج السرب ويفتعلون القلاقل، فربما أفضل لهم أن يبقوا في الخارج، كما هو حالهم الآن، فالضوضاء التي يثيرونها بهدف الابتزاز، لن تمثل فرصة لهم، وعليهم أن يتعلموا من الدروس السابقة.

*كاتب إماراتي