كتبت رأياً سابقاً في بدايات جائحة فيروس كورونا، وذكرت أن الفيروس ورغم شراسته وانتشاره، ورغم التحديات التي يواجهها العالم بسببه، فإنه لن يعيدنا للخلف، كما تنبأ البعض، ممن كانت نظرتهم ضيقة جداً، أو خيالية جداً، عندما توقعوا الأسوأ لحياة مصيرها البدائية والعودة إلى حياة الأجداد، بل وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، فربطوا الجائحة بنهايةٍ حتمية للعالم، إن لم ينتج اللقاح على وجه السرعة! وها هو العالم ينهض من هذا الكابوس، رغم ما واجهناه من خسائر قابلناها بتحد وإصرار، سواء أكانت اقتصادية أم بشرية، لنتماهى وننسجم مع المتغيرات العامة في حياتنا اليومية، بعد شهور من الهلع والحجر ومتابعة الانهيارات الصحية في العالم، والتي رافقتها انهيارات اقتصادية أفضت إلى متغيرات كبرى، لكنها مرت في منطقتنا بسلام. 
قبل عام 1796، وحين كان الجدري يجتاح العالم، كمرض فتاك قاتل وبشع، وحين كان يموت 20% من المصابين به حول العالم، اكتشف في ذلك العام الطبيب الإنجليزي إدوارد جينر أول لقاح ضد الوباء، بعد تجارب وأبحاث معملية مضنية وطويلة، استمرت لأكثر من 20 سنة متواصلة قضاها وهو يبحث عن جرثومة الجدري، حتى استطاع أن يكتشف اللقاح المضاد لمرض الجدري، فجرّبه مبدئياً على ابنه، ثم أخضع اختراعه للتجريب على نطاق أوسع، فقام بحملة تطعيم تكللت بالنجاح، حتى ظهرت لاحقاً عشرات اللقاحات، وتطورت أساليب استخلاصها، انطلاقاً من اكتشاف الطبيب جينر. وبحلول أربعينيات القرن الماضي، تم القضاء كلياً على الجدري في أميركا وأوروبا.
المغزى من كل ما سبق، هو مقارنة وسائل الطبيب جينر البدائية وأبحاثه الطويلة للقضاء على مرض كاد يدمر العالم، بفيروس كورونا في ظل ثورة التقنيات والبرمجيات الحديثة والعقول المبدعة التي لم تستغرق أكثر من بضعة أشهر، حتى أعلنت عن اللقاح الذي سينقذ البشرية، والذي بدأت دولة الإمارات العربية المتحدة فعلياً، كما ذكر وزير الصحة ووقاية المجتمع معالي عبدالرحمن العويس، في دراسة المرحلة الثالثة منه، واعتماده من خلال لجنة أخلاقيات البحث العلمي في إمارة أبوظبي، والتي بدأت مرحلتها الأولى باختبار سلامة اللقاح، ثم الانتقال إلى المرحلة الثانية بتطعيم عدد محدود باللقاح لتقييم توليد المناعة، والمرحلة الثالثة، بالطبع، اختبار سلامته وفعاليته، وهي المرحلة التي يتم تطبيقها حالياً، وسيليها تصنيع اللقاح على نطاق أوسع، ليكون متاحاً في نهاية 2020، بعد أن نجح تطبيق المرحلتين الأولى والثانية، دون أية أضرار، وببوادر إنتاج أجسام مضادة للفيروس بعد عملية حقن اللقاح.
واليوم، وفي هذه الظروف الاستثنائية لجائحة «كوفيد-19»، وبعد أن استبشر العالم باللقاح ضد الفيروس، ينبغي أن نضع نصب أعيننا أن هذا الإنجاز السريع -أقصد تصنيع وإنتاج اللقاح- وخلال هذه المدة القياسية، يضعنا أمام عالم يتغير بإيقاع متسارع، وعقول بارعة، وتقنيات لا تتوقف، وتطور مذهل.. لذا، يجب أن نعلم أن هذه المحنة التي مررنا بها، قد أفضت إلى عدد من المنح؛ فالبدائل التي اتجه إليها العالم اليوم، في شتى المجالات، هي بدائل تختزل إنجازات مذهلة تمهد لحياة أبسط وأقل تعقيداً من السابق. ففي مجال الأعمال، مثلاً، نشاهد اجتماعات من شتى بقاع العالم على شاشة صغيرة وبإنجازات كبيرة، وفي ذات الوقت، نشطت التجارة والتسوق عن بُعد، وممارسة جميع الأنشطة بأقل جهد، فألهمتنا الأزمة الكثير من التسهيلات في ممارسة الحياة بأقل التكاليف وأيسر الطرق. وربما يصبح السفر لإنجاز بعض المهمات ممارسة من الماضي، بفضل ثورة التقنية الجديدة، والمتغيرات الحتمية التي نعيشها اليوم. فهل يصبح الجزء الأكبر من حياتنا «افتراضياً»؟

*كاتبة سعودية