الشبه كبير في لبنان بين وباء كورونا والأزمة الاقتصادية، وإذ أمكن احتواء الأول بالوسائل والتحوّطات التي استخدمت عبر العالم (ولا خروج منه إلا بتوافّر لقاح يُؤمل بالتوصّل إليه قريباً)، فإن الثانية جائحة مستفحلة انعكست على حياة اللبنانيين بأسوأ ما يمكن تصوّره ولا علاج ممكناً لها. انتقل الوباء من مرحلة إلى أخرى بحصيلة إصابات ووفيات ظلّت في إطار المعقول، ورغم انكشاف النظام الصحي إلا أن الموارد المحلية مع المساعدات الخارجية نجحت في تفادي كارثة. أما الأزمة المالية، فتعاني من عجز حكومي إداري فادح، ورغم المآسي التي تسبّبت بها حتى الآن، فإن الخبراء يقولون إنها لا تزال في «بدايتها».
دول الخليج وفرنسا وبريطانيا، وحتى الولايات المتحدة، كانت ولا تزال معنية بمساعدة لبنان، لكنها لم تعد تعرف أي لبنان تمكن مساعدته: أهو لبنان «حزب الله» الذي تقلّب سياسياً مع هذا «الحزب» حتى غدا مصدر تهديد أمني إقليمي ودولي، أم «لبنان المافيا» الذي تلاعب بأمواله حكومياً ومصرفياً إلى أن أيقظته الانتفاضة الشعبية على حقيقته المؤلمة: لا رساميل ولا ودائع. المافيا هرّبت دولارها في مثل هذه الفترة من العام الماضي، والمودِعون العاديون أدركوا شيئاً فشيئاً أن جني أعمارهم تبخّر أو في أحسن الأحوال بات قيمة رقمية ورقية لا يمكن التصرّف بها. وأمام حالتَي الفساد السياسي والمالي هاتين لا توجد جهة خارجية واحدة مستعدة لمساعدة من ألحق بنفسه أضراراً لا يزال مصرّاً عليها.
وكانت هناك مؤشرات مسبقة نبّه إليها كثيرون، وتمثّلت المحاولة الأخيرة للإنقاذ في المبادرة الفرنسية للدعوة إلى مؤتمر «سيدر» عام 2018 حين تعهّدت الدول المشاركة بتمويل خطة إنمائية واسعة لقاء خطّة إصلاحات تعهّدت الحكومة اللبنانية بتنفيذها ولم تستطع ذلك بسبب تباينات بين الأطراف السياسية، وحتى بعدما وقعت الواقعة وتغيّرت الحكومة، لا تزال هذه التباينات تعرقلها، إلى حدّ أن التفاوض مع صندوق النقد الدولي لم يقلع بعد رغم أن البلد يحتاج إلى مساعدة عاجلة، بل عاجلة جداً. وكلّما تأخّر التفاوض كلّما تعقّدت الأزمة وأصبحت أرقامها مخيفة (صرف الدولار، التضخّم، الأسعار والقدرة الشرائية، البطالة، إغلاق الشركات..). الدولة في حالة إفلاس غير معلنة، فما تنفقه لاستيراد مواد أساسية هو من أموال المواطنين اللبنانيين. 
وعندما زار وزير الخارجية الفرنسي بيروت أخيراً كانت لديه فكرة قاتمة عن الأزمة جعلته يطلق تحذيرات عدّة للمسؤولين اللبنانيين وأنهاها بعبارة «ساعدوا أنفسكم لنتمكن من مساعدتكم»، والأرجح أنه غادر بيروت أكثر قلقاً. لماذا؟ لأنه لم يلمس لدى أركان الحكم إدراكاً كافياً للمطلوب سياسياً بالنسبة لسلوك «حزب الله» وضرورة «النأي بالنفس» عن صراعات المنطقة، أو إصلاحياً لاتخاذ إجراءات عاجلة للحدّ من الهدر المالي، خصوصاً في قطاع الكهرباء أو لضبط الحدود وإغلاق منافذ التهريب. وحين أطلق البطريرك الماروني دعوة لاعتماد «الحياد» في العلاقات الخارجية للبنان كمدخل إلى استقراره السياسي والاقتصادي، خشيت منظومة الحكم على مصالحها، فأشارت إلى أن الانقسامات السياسية لا تسمح عملياً بأي «حياد». لكن هيمنة «حزب الله» على هذه المنظومة تعمّق عزلة لبنان ولا تتيح معالجة أزمته، فقد ولّت أيام كانت دول الخليج تتعاطف فيها مع لبنان من دون حساب.

*محلل سياسي -لندن