ليس من مصلحة أميركا أن تهاجم أقدم أصدقائها. فقد دأب الرئيس الأميركي دونالد ترامب على مهاجمة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بوجه خاص. ويهاجم أيضاً زعماء بريطانيا وفرنسا وغيرها. ودأب على مزج هذا بالتهديد بفرض رسوم جمركية وعقوبات. وكما لو أنه يقوم بحماية مقابل إتاوة، طلب من حلف شمال الأطلسي (ناتو) الذي يصفه بأنه «عفا عليه الزمن» أن يدفع المال وإلا «سننسحب» من الحلف. والآن، يسحب ترامب 9500 جندي أميركي من ألمانيا الذين يمثلون محور أمن النظام الأوروبي الذي أقامته أميركا. وربما الدور التالي يكون على كوريا الجنوبية التي ضحت فيها الولايات المتحدة بأكثر من 36 ألف روح للتصدي لقوات ماو تسي تونج. 
وفي أحدث هجوم على أوروبا، لاحق السيد ترامب الغاز الروسي وتكنولوجيا الهواتف المحمولة الصينية. وليس ترامب هو أول رئيس أميركي ينتقد أوروبا. فقد حاول كل الرؤساء الأميركيين الضغط بقوة على الأوروبيين في أمور تتعلق بالتجارة والدفاع. وبعد الحرب الباردة، فضلت أوروبا تقليص الإنفاق العسكري على تعزيزه لمواجهة إعادة الروس تسليح أنفسهم. والرئيس باراك أوباما هاجم أيضاً منطق «الراكبون بالمجان» مع الأميركيين. 
لكن هناك اختلاف صارخ بين الآن وما كان قبل. فمن قبل، لم يكن هناك أي شك في أن الولايات المتحدة وأصدقاءها سيتقاربون. والآن، أصبحت العلاقة التاريخية بين واشنطن وحلفائها على المحك. لكن، رغم كل التراجع الأوروبي، يتعين إلقاء اللوم الرئيس على عاتق السيد ترامب. فالولايات المتحدة تجد نفسها الآن في مرحلة خطرة جديدة. يمكن وصفها بأنها «عالم القوتين العظميين والنصف». صحيح أن أميركا ما زالت على القمة، لكن الصين تأتي في المرتبة الثانية كقوة عظمى وهي تتزود بالأسلحة وتوسع نفوذها عبر الكرة الأرضية في محاولة لنزع الولايات المتحدة بعيداً عن عرش القمة. لكن روسيا النووية ذات الاقتصاد الملتبس تعتبر أيضاً شبه قوة عظمى. والرئيس فلاديمير بوتين يناور بمهارة في أوروبا وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. ويجب على الولايات المتحدة أن تدرك هذا، وكي تبقى على القمة يجب أن تتبع أربع قواعد. 
القاعدة الأولى: احتفظ بأصدقائك واستقطب المزيد منهم. وربما يكون هؤلاء الأصدقاء «مسافرين مجاناً» مثلما يفعل عادة صغار الأطراف الفاعلة، لكنهم يضيفون قوة ونفوذاً ووجاهة. بينما شعار «أميركا أولاً» لا يفعل هذا.
وبالنسبة للرئيس ترامب، فإن «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى» لا يعني القيادة بل التلاعب بالعرض. إنها ليست علاقة الكل فيها رابحون بل تعني «إذا ربحت أنا، تخسر أنت». فإذا كان الأوروبيون يريدون «نورد ستريم2»، فعليهم أن ينسوا الاستثمار الاقتصادي في أميركا. وإذا مضت برلين قدماً في صفقة هواوي، فقل وداعاً لمقاسمة المعلومات الاستخباراتية الأميركية التي أحبطت من قبل مخططات إرهابية كثيرة على ألمانيا. وهذه ليست دبلوماسية ذكية. 

القاعدة الثانية: حافظ على السلطة وعززها بتقديم الخدمات الأساسية مثل الأمن المشترك وحرية التجارة والملاحة، وهذا من خلال المحافظة على نظام قائم على قواعد تؤيد التعاون النافع للطرفين. وشعار «أميركا أولاً» يعني التضحية بالمستقبل مقابل المكسب قصير الأجل. وتاريخ العقوبات- وهي الرياضة المفضلة لترامب بعد الجولف- يعلمنا درساً قاسياً. فالضحايا يمكن تقييدهم لكنهم سيمزقون قريباً العلاقات التي تربطهم. والعقوبات تتقلص قيمتها بدفع الدول إلى الاعتماد الذاتي ليقولوا لأميركا فيما بعد: وداعاً. 

القاعدة الثالثة: ادعم مصالحك من خلال رعاية مصالح الآخرين. فالجيد بالنسبة لهم جيد لأميركا لأن سياسة الإمداد الخارجية تضفي مشروعية على القيادة الأميركية. لكن ترامب يبدو وكأنه ينظر إلى تعدد الأطراف باعتباره مكيدة ضد أميركا. فرغم التعطش للغاز وتكنولوجيا الجيل الخامس، يمثل الأوروبيون الإزعاج من المرتبة الثانية، مقارنة مع التوسع الصيني والروسي. وفي «عالم القوتين العظميين والنصف»- بالإضافة إلى قوى ناشئة أقل أهمية تحتاج أميركا إلى المزيد من الأصدقاء وليس القليل منهم. 

وأخيراً القاعدة الرابعة: تحكم دائماً في أكبر ائتلاف ممكن عن طريق الإقناع وليس الإرغام. ويجب العودة إلى دبلوماسية أميركا التي تم ممارستها بحكمة بالغة في الماضي. ويجب تذكير السيدة ميركل بأن مقدمي خدمات «الجيل الخامس» الأوروبيين مثل نوكيا واريكسون يمكنهم الوفاء بالغرض، وأن السعر الأعلى نسبياً يهون أمام المكسب في الأمن العام. وإذا كانت السيدة ميركل تخاف بشدة من الخسارة في الأسواق، فيجب طمأنتها بأن أميركا لن تدمر التجارة الأوروبية الصينية.

وفي الأيام القليلة الماضية، صرح جون بولتون، مستشار الأمن القومي السابق لترامب، لصحيفة دير شبيجل الألمانية، بأنه «يجب على أوروبا أن تعتبر ترامب حالة خاصة. ولن يكون من الصعب عودة الأمور إلى سابق عهدها». فكم أرجو أن يتحقق هذا. ففكرة الوطن وحده ليس طريقة أميركية، وبالتأكيد، ليس منذ عام 1945 حين اضطلعت أميركا بمسؤولية تطبيق نظام عالمي ليبرالي. ومن الأفضل حتى لقاعدة السيد ترامب أن تكون البلاد في موضع القيادة وليس في موضع الخاضع للقيادة.

جوزيف جوف

عضو مجلس تحرير صحيفة دي تسايت الألمانية الأسبوعية، زميل في مؤسسة هوفر التابعة لجامعة ستانفورد.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/07/24/opinion/united-states-europe-china.html