حين لا ينجح مشروع سياسي في فرض إرادته، تتحول أهدافه إلى إعاقة تحقيق مشروع الآخر، هذا ما يحدث في الصراع السوري الذي بات دولياً، فحين أخفق مشروع الحل العسكري في الحسم، بات البديل إعاقة أي أفق أمام الحل السياسي، وعبر سياسة الإعاقة كان الجرح السوري يزداد نزيفاً، وبات السوريون ينتظرون خبراً صادقاً يفتح نافذة أمل في الخلاص.
ولم تعد أخبار الموت جوعاً أو مرضاً أو قهراً تثير تعاطفاً دولياً، فقد بات عادياً أن يموت السوريون زرافات ووحدانا، ولم يعد خبراً عاجلاً تهتم به وسائل الإعلام، أن تنفجر عبوة تنسف عشرين شخصاً، وتجرح مئة من نساء وأطفال وشيوخ، فقد صار هذا الخبر يتكرر يومياً، ولاسيما في مناطق الشمال السوري التي عمت فيها الفوضى، وتنازعتها القوى، ولم يعد ملايين السوريين يعرفون شيئاً عما يخطط لهم الآخرون، وثمة حالة من اليأس والإحباط تنتشر بينهم، وهم يرون احتمال العودة إلى الحرب واشتعال المعارك قائماً رغم إعلان توقف إطلاق النار، وهو لم يتوقف فلا تزال الهجمات تتوالى، والانفجارات تتصاعد ويُقتل عبرها مدنيون أبرياء عابرون في الشوارع والطرقات، ونكاد نسمع كل يوم عن عبوات ناسفة في عفرين والباب، وإدلب وفي الأرياف المكتظة بالنازحين الذين يعانون فقدان أسباب الحياة الكريمة، وقد هاجمهم كذلك فيروس كورونا وهم لا يملكون وسائل مقاومة انتشاره. 
ولئن كانت الولايات المتحدة قد قدمت «قانون قيصر» عقاباً للحكومة السورية إنْ هي لم تقبل المضي في الحل السياسي، فإن احتمال أن يفشل هذا القانون في إجبار الحكومة على التنازل أكبر من احتمال إذعانها.
ولئن بدت روسيا تميل إلى حل سياسي في إعلامها الذي بدأ ينتقد الأوضاع في سوريا، ويشكك في صوابية القيام بتشكيل مجلس شعب، رغم غياب نحو ثلثي الشعب بين نازح ومهاجر أو مفقود، ولا تمانع علناً في عودة التفاوض في جنيف، فإن إيران سارعت لرد عملي حين عقدت اتفاقاً عسكرياً جديداً مع الحكومة السورية رغم عدم الحاجة إليه لوجود اتفاقيات سابقة بذات المضمون، لكنها أرادت إعلان التمسك بالحل العسكري، وهي تعلم أن العالم كله يرفض أن تحسم القضية السورية عسكرياً، ولئن فكرت إيران بدفع النظام إلى متابعة الهجمة على الشمال السوري لإخضاعه عسكرياً خارجة عن الاتفاقيات المبرمة حول وقف إطلاق النار، ورافضة التوجه الأميركي والأوربي بإنهاء الصراع سياسياً.  ولن تتمكن إيران من البقاء في سوريا لأنها بلا أنصار، فحتى السُلطة السورية نفسها لا تقبل امتداد ولاية الفقيه إلى سوريا، وكذلك الطوائف الأقرب إلى مذهب إيران الديني ترفض تحول سوريا إلى دولة دينية شيعية كانت أم سنية.
ولئن كان السوريون اليوم في حيرة من أمرهم، وقد فقدوا القدرة حتى على المشاركة في قرار الآخرين حولهم، فإنهم لا يزالون يتطلعون إلى دور عربي ينقذ الأمة كلها وليس سوريا فقط، ولابد من مساهمة عربية لإعادة بناء القوى  السورية التي تنازعت حولها القوى وأرهقها التنابذ، وضاعت بوصلتها بين الصراعات الراهنة، كي تكون هذه القوى قادرة على متابعة التفاوض حول الحل السياسي الذي لابد منه مهما طال أمد انتظاره.