ارتكبت تركيا في مواجهة الاتحاد الأوروبي كل الانتهاكات الممكنة قانونياً وسياسياً منذ عقود، وبالذات عقب أحداث «الربيع العربي» الكاذب، وتداعياتها التي أبدعت تركيا في استغلالها بابتزاز الاتحاد الأوروبي بورقة اللاجئين، ثم بدأت في اتّباع سياسات لا توافق عليها أوروبا تجاه بعض القضايا؛ كسوريا التي أمعنت تركيا في انتهاك سيادتها، حتى أدان الاتحاد في أكتوبر 2019 الهجوم التركي على شمال شرقها، ثم بدأت تركيا تقترب أكثر من المساس بالمصالح الأوروبية مباشرة، بتدخلها السافر في ليبيا، وانتهاكها قرارات مجلس الأمن بحظر توريد الأسلحة إليها، فإذا بها لا تكتفي بانتهاك هذا الحظر، بل تضيف إليه «توريد المرتزقة» الذين كانوا يحاربون لتنفيذ سياستها في سوريا، سواء من السوريين أو غيرهم بتمويل سخي من حُماة الإرهاب، وتسخرهم لإنجاح مشروعها في المنطقة، ثم عقدت اتفاقية باطلة مع حكومة السرّاج، سواء لتوقيعها من غير ذي صفة، أو لانتهاكها قانون البحار الدولي، ناهيك بما ترتب عليها من إعطاء تركيا الحق لنفسها في القيام بأنشطة تنقيب غير قانونية قبالة السواحل اليونانية. 
وتظاهرت تركيا بأنها أصبحت جزءاً من محاولات تسوية الصراع في ليبيا، بحضورها المؤتمرات ذات الصلة، وآخرها مؤتمر برلين الذي ضربت عرض الحائط بمقرراته، بل صعّدت من تدخلها على النحو الذي نجح في تغيير المشهد العسكري جزئياً، إلى أن أعلن المعسكر العربي المناهض للإرهاب خطوطه الحمراء بمبادرة مصرية، ووصل الأمر بالاستفزازات التركية للأمن الأوروبي إلى حد التورط في أعمال تخريبية مست أمن واستقرار النمسا، عضو الاتحاد، وفقاً لما صرح به وزير داخليتها، الذي أكد في 8 يوليو الجاري، أن لديه معلومات ومؤشرات تؤكد مشاركة جهاز المخابرات التركي في أعمال الشغب والعنف التي وقعت في فيينا في مطلع الشهر الجاري، بعد اعتداء أتراك على مظاهرة سلمية للأكراد، فما الذي فعله الاتحاد الأوروبي في مواجهة كل هذه الانتهاكات؟
لا شك أن ردود الفعل الأوروبية الجماعية لا تتناسب على الإطلاق مع فداحة هذه الانتهاكات التركية للمصالح الأوروبية، فلم يتجاوز الأمر في الحالة السورية بيانات الإدانة، لكن ماذا عن الحالة الليبية التي تتصل مباشرة بالمصالح الأوروبية؟ لا شيء تقريباً غير بعض العبارات الخشبية التي تدين انتهاكات القرارات الدولية، وآخرها مقررات مؤتمر برلين، دون أن تنسب هذه الانتهاكات لمرتكبيها! بل إنه حتى في حالة العدوان على حقوق عضوين في الاتحاد الأوروبي على نحو ما سبق ذكره لا يكاد المرء، يصدّق أن يكون هذا هو رد فعل قوة عالمية، وقد سمعنا بطبيعة الحال عن عقوبات فرضها الاتحاد على تركيا بسبب أنشطة التنقيب غير المشروعة في المياه اليونانية والقبرصية، لكن هذه العقوبات لم تردع تركيا بطبيعة الحال، وعندما يمعن المرء النظر فيها يدرك السبب على الفور، فهي عقوبات «افتراضية»، إذ وافق وزراء خارجية الاتحاد في أكتوبر 2019 على عقوبات اقتصادية تستهدف عمليات التنقيب التركية غير المشروعة، لكن التفاصيل تفيد بأنهم اتفقوا «على وضع إطار عمل لإجراءات عقابية تستهدف الأشخاص الطبيعيين والاعتباريين المشاركين في أنشطة التنقيب غير المشروعة»، وكأن الانتهاكات التركية لا تصدر عن نظام، وإنما يقوم بها أفراد أو مؤسسات لحسابهم الخاص! ناهيك بغياب أي معلومات عن تحديد هؤلاء الأشخاص! فهل يعود هذا الموقف الواهن إلى انقسام أوروبي، ربما يكون أحد طرفيه مخدوعاً بأكذوبة أن تركيا تكبح النفوذ الروسي؟ أم يعود لضغط أميركي؟ يحتاج الأمر دون شك إلى حوار جاد مع أوروبا، خاصة أن موقف فرنسا بكل ثقلها في الاتحاد يتقاطع مع المواقف العربية المتصدية للإرهاب.