لقد تعرضت المنطقة العربية لهزة ما يسمى «الربيع العربي»، ووضع البعض أقدامه على طريق التعافي من شره. ولم تمض فترة وجيزة، حتى دخلت تركيا على خط زعزعة الأمن القومي العربي لتستفز الأمة العربية من جديد. وهذا ما جعل حلفاءها الغربيين في الآونة الأخيرة، يستنكرون سياستها، وضمن هذا الإطار، قال وزير الخارجية الألماني: (على تركيا أن تتوقف عن استفزازاتها في منطقة شرق المتوسط). 
وتلعب تركيا بالنار في منطقة لا تحتمل المزيد من التوترات، فكيف لها أن تتفادى حرق أصابعها، في ظل إقرار من محيطها الإقليمي بإرباكها للمنطقة، وهذا ما يمكن الاستدلال عليه من تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية المصرية، حيث يرى أن «الحكومة التركية، برئاسة أردوغان تغامر بمقدرات الشعب التركي عبر التدخل لتعميق أزمات ونزاعات مع الدول العربية. وأن التدخلات التركية في الشأن العربي تفتقر لأي سند شرعي وتنتهك قرارات مجلس الأمن». 
هكذا يتحدث صوت العقل السياسي في مصر، وهي لا يمكن أن تقف في حال المتفرج، فقد خطت خطوة عملية إلى الأمام، عندما فوض البرلمان المصري القوات المسلحة بالتدخل العسكري في ليبيا لحماية الأمن القومي.
لا أحد يرغب في الصدام العسكري، فالجميع يضع الحرص على السلام في المقدمة، فالرئيس الجزائري يدعو إلى ضرورة التعجيل بالحل السياسي للأزمة الليبية لوقف إراقة الدماء.
فالعالم الغربي أيضاً حريص على عدم استخدام السلاح في معركة يمكن مواجهتها بالسلم. فقد هدد قادة ثلاث دول أوروبية بفرض عقوبات على قوى أجنبية تنتهك حظر تسليح أطراف الحرب الليبية. ورغم أنهم لم يسموا أي دولة، يبدو تهديدهم موجهاً بالأساس إلى تركيا حليفة «حكومة الوفاق». 
في الوقت الذي تضع تركيا قدماً في ليبيا، تمد أخرى باتجاه أرمينيا، فوزير خارجيتها «لم يتفاجأ» من السياسات التركية في التطورات الأخيرة بين بلاده وأذربيجان، واصفاً ما تقوم به أنقرة بـ«خطوة جيوسياسية خطيرة».: «شاهدنا تركيا كيف تحاول فرض سيطرتها على دول مجاورة. هذه السياسات العثمانية الجديدة امتدت إلى منطقتنا أيضاً».
أما للميدان الليبي وقع آخر وصوت ناشز ووضع خطير، فثمة تقارير مفادها أن تركيا تنشر طائرات مُسيرة، وتبني ملاجئ في مصراتة، استعداداً لمعركة سرت، وكذلك تعد مقاتلاتها الجوية لاستهداف مقر القيادة العامة للجيش الليبي. وهذا المخطط التركي «قد» يواجه بتدخل عربي وأجنبي، وبناء على ذلك كله، يحذر عقيلة صالح من وقوع حرب طاحنة في ليبيا لا يعلم نتيجتها إلا الله.
المشهد الذي توتره تركيا، يظهر من خلال تقرير لـ«البنتاغون»، مفاده أن تركيا أرسلت ما بين 3500 و3800 مرتزق سوري إلى ليبيا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي.
وقال التقرير الخاص بعمليات محاربة الإرهاب في، إن تركيا قدمت أموالاً وعرضت الجنسية على آلاف المقاتلين، مقابل المشاركة في النزاع بليبيا إلى جانب القوات الموالية لـ«حكومة الوفاق الوطني» في طرابلس.
وليس مثل ذلك التقرير حكراً على البنتاجون، فقد كشف «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، نقل المخابرات التركية مئات المسلحين من تنظيمات إرهابية، معظمهم تونسيون، من سوريا إلى ليبيا في الأشهر الأخيرة. وأشار «المرصد» إلى أن هؤلاء سيشاركون في القتال إلى جانب ميليشيات «حكومة الوفاق» ضد الجيش الوطني الليبي، وقال: إن إرسال تركيا الإرهابيين إلى ليبيا «أصبح نهجاً عاماً لدى أنقرة».
لا زالت تركيا مصرة على المضي في ليبيا دون رجعة، ونجد ذلك مباشرة في تصريحات أردوغان، وأبرز ما فيها: (تركيا ستواصل تحمل المسؤولية التي أخذتها على عاتقها في ليبيا)، وقوله: (أبرمنا اتفاق تعاون للتدريب العسكري مع ليبيا، ونحن بصدد إبرام اتفاق جديد بمشاركة الأمم المتحدة)، وقوله كذلك: (لا يمكننا ترك أذربيجان الشقيقة لوحدها أبداً في مواجهة الاعتداءات الأرمينية). خلط واضح لأوراق اللعبة السياسية في مختلف الجبهات، فهل تركيا قادرة فعلاً أن تحارب في كافة الجبهات؟!