لا تزال الاتصالات لوقف إطلاق النار في ليبيا متعثّرة، ومعها المساعي لاستئناف المفاوضات السياسية. وكانت مصر قد طرحت مبادرة سلام من شأنها تفعيل جهود الأمم المتحدة، إذا توفّرت إرادة دولية، لكن تركيا واصلت الشحن والتصعيد بهدف الحسم العسكري عبر خط سرت - الجفرة. ومع أن نهج القاهرة يتسم بهاجس إيجاد حل يعيد الاستقرار إلى ليبيا، تتصرّف أنقرة وكأنها واثقة بقدرتها وحدها على فرض الحل الذي يناسب الخط «الإخواني» المهيمن على طرابلس وحكومتها. لذلك، فهي تحاول فرض شروط تعجيزية وغير مقبولة، مثل انسحاب الجيش الوطني الليبي من سرت والجفرة قبل الموافقة على وقف النار. وكان لافتاً التشابه بين هذه الشروط وبين أفكار تردّد أن الجانب الأميركي عرضها على المشير خليفة حفتر، لكن تحت عنوان تحييد «الهلال النفطي» وإخراجه من الصراع لتأمين حماية «دولية» للمنشآت واستئناف الإنتاج. 
ورغم أن مخاطر محاولة اجتياز «الخط الأحمر» أصبحت واضحة، فإن أطرافاً عدّة خارجية وداخلية تتعامل مع «معركة سرت» باعتبارها واقعة عاجلاً أو آجلاً، وليست مستبعدة. وهذا ما يفسر توقيت تفويض زعماء القبائل للرئيس المصري، وقبله طلب مجلس النواب تدخّلاً عسكرياً مصرياً مباشرة؛ إذ حسموا مسألة شرعية هذا التدخّل، وحدّدوا هدفه «صدّ الغزو والاحتلال التركي». مجلس النواب هو الهيئة الوحيدة المنتخبة في ليبيا، وكان متوقعاً ومطلوباً من فايز السراج عندما اختير دولياً، أن يسعى إلى اكتساب شرعية بنيل ثقة هذا المجلس، لكنه اكتفى بـ«شرعية دولية» سرعان ما تزعزعت، بعدما وظّفها «إخوان» مصراتة وطرابلس في خدمة مشروعهم، الذي قام أساساً على العداء لمصر، بل الثأر منها. كان هذا واضحاً منذ انقلاب الميليشيات في طرابلس صيف 2014، واستمرّ مع تنصيب حكومة السراج، وأصبح أخيراً أكثر وضوحاً مع تماهي الأردوغانية و«الإخوانية» في ليبيا.
هل يكفي التصدّي لروسيا ذريعةً للولايات المتحدة، كي تدعم التدخّل التركي؟ بالطبع عبّرت واشنطن عن رفضها أي دور روسي في أكثر من مناسبة، وكان هذا موقفها الوحيد الواضح، وسط بحر من الغموض غمر أهدافها في ليبيا، ولا يزال حتى الآن يربك حلفاءها وأصدقاءها المعنيين بالصراع الليبي، كما سبق أن أربكتهم في إدارة الأزمة السورية. هذا الغموض ساهم في إطالة الأزمة وإضاعة الجهود الأممية، بحثاً عن حل سياسي، قبل أن يتحوّل الآن إلى شكوك عميقة، بعد نشوء حالٍ أصبحت معها دولة أطلسية متحالفة مع جماعة «الإخوان المسلمين» في تقرير مصير بلد صوّت ناخبوه مرّتين، ولم يمنحوا الإسلاميين سوى نسبة ضئيلة من أصواتهم.
ورغم أن حلف الأطلسي، كسواه من الهيئات والأطراف، يقرّ بأن الحل في ليبيا يجب أن يكون سياسياً، فإن تركيا، عضو الحلف، تعمل على الحل العسكري. لا شك أن السيطرة السريعة على غرب ليبيا أظهرت تبدّل ميزان القوى، لكنها لم تكفِ لفرض حل سياسي بشروط «إخوان» مصراتة وطرابلس، لذلك يحتاجون إلى خط سرت -الجفرة وإلى ما بعده، مهما كلّف ليبيا والليبيين. لن تكون السيطرة على هذا الخط بسهولة معارك غرب ليبيا، لكن السماح بحصولها، سيعني مزيداً من الإطالة للصراع، مجازفة بزرع «دولة إخوانية» نفطية على المتوسط، كمصدر تهديد لاستقرار جميع جيرانها، ولاسيما مصر.