انتُخب وزير المالية الإيرلندي باسكال دونوهي (يمين-وسط) منذ أيام، رئيساً لمجموعة اليورو (يوروغروب‏‭ (‬في ‬ظل ‬أكبر ‬أزمة ‬اقتصادية ‬تعرفها ‬القارة ‬الأوروبية. ‬وفاز ‬دونوهي ‬بالرئاسة ‬في ‬جولة ‬التصويت ‬الثانية ‬التي ‬واجه ‬فيها ‬الإسبانية ‬ناديا ‬كالفينو، ‬وزيرة ‬المالية ‬في ‬الحكومة ‬الإسبانية ‬اليسارية، ‬التي ‬كانت ‬تحظى ‬بدعم ‬فرنسا ‬وألمانيا. ‬ولرئيس ‬مجموعة ‬اليورو، ‬الذي ‬ينتخب ‬لولاية ‬مدتها ‬سنتان ‬ونصف ‬السنة، ‬وزن ‬كبير ‬في ‬مقر ‬الاتحاد ‬الأوروبي ‬في ‬بروكسل، ‬إلى ‬جانب ‬رؤساء ‬المؤسسات ‬الثلاث ‬الكبرى ‬للتكتل؛ ‬أورسولا ‬فون ‬دير ‬لاين (‬المفوضية ‬الأوروبية)، ‬وشارل ‬ميشال (‬المجلس ‬الأوروبي)، ‬وديفيد ‬ساسولي (‬البرلمان)‬، ‬ووزير ‬الخارجية ‬جوزب ‬بوريل.
ويقوم رئيس اليوروغروب بدور لا يحسد عليه في الاتحاد الأوروبي؛ إذ يترأس الاجتماعات الشهرية للوزراء؛ سعياً لضمان تنسيق السياسات الاقتصادية الوطنية. ونتذكر أن هذه المهمة ليست بالسهلة، كما شاهدنا خلال الأزمات التي عرفتها بعض دول الاتحاد الأوروبي في السنوات الأخيرة، وبخاصة في اليونان.
وبدأ ‬دونوهي ‬رئاسة ‬المجموعة ‬في ‬توقيت ‬بالغ ‬الحساسية؛ ‬إذ ‬يعاني ‬الاقتصاد ‬الأوروبي ‬من ‬تداعيات ‬جائحة ‬كوفيد-19، ‬وبات ‬الأوروبيون ‬قلقين ‬ومتخوفين ‬على ‬مستقبلهم ‬ووظائفهم ‬ومداخيلهم. ‬والأدهى ‬من ‬ذلك، ‬أن ‬المفوضية ‬الأوروبية ‬قد أعلنت ‬منذ ‬أيام ‬أنها ‬تتوقع ‬تراجع ‬إجمالي ‬الناتج ‬الداخلي في ‬منطقة ‬اليورو ‬بنسبة ‬أسوأ ‬مما ‬كان ‬متوقعاً ‬في ‬مطلع ‬مايو الماضي؛ ‬إذ ‬قالت: ‬إنه ‬سيتراجع ‬بنسبة ‬8.7% ‬خلال ‬العام ‬الجاري، ‬قبل ‬أن ‬يتحسن ‬في ‬2021 ‬بنسبة ‬+6.1%.، ‬والتداعيات ‬الاقتصادية ‬للعزل ‬أفدح ‬مما ‬توقعته ‬المفوضية ‬في ‬البداية؛ ‬إذ ‬لا ‬يزال ‬الأوروبيون ‬يواجهون ‬مخاطر ‬عديدة، ‬بينها ‬موجة ‬ثانية ‬من ‬الإصابات بكوفيد-19.
وهناك ثلاث دول متضررة بشكل خاص من الركود، هي إيطاليا وإسبانيا وفرنسا، مع تراجع إجمالي الناتج الداخلي بأكثر من 10 في المائة في 2020. وستشهد إيطاليا تراجع إجمالي الناتج الداخلي لديها بنسبة 11.2% في 2020، قبل أن يتحسن في 2021 (بنسبة 6.1%)، فيما سيتراجع في إسبانيا بنسبة 10.9% في 2020، ثم يتحسن في السنة التالية ليصل إلى +7.1%. أما في فرنسا، فيمكن أن يتراجع بنسبة 10.6% هذه السنة، ثم ينتعش ليصل إلى 7.6% العام التالي. ‬وفي ‬المقابل ‬كانت ‬ألمانيا ‬بين ‬الدول ‬التي ‬حدت ‬من ‬الخسائر، ‬إلى ‬جانب ‬لوكسمبورغ ‬ومالطا ‬وفنلندا، ‬مع ‬تراجع ‬إجمالي ‬الناتج ‬الداخلي ‬بنسبة ‬6.3% ‬هذه ‬السنة، ‬وانتعاش ‬بنسبة ‬5.3% ‬في ‬2021.
أما في بريطانيا التي خرجت من الاتحاد الأوروبي، فقد تراجع إجمالي الناتج المحلي في المملكة بأكثر من 25% في مارس وأبريل، ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماشاً بنسبة 10.2% للاقتصاد هذا العام. ‬وفي ‬دراسة ‬نُشرت ‬مؤخراً، ‬يتوقع ‬مركز ‬الاقتصاد ‬وبحوث ‬الأعمال (‬سي ‬أي ‬بي ‬آر) ‬تراجعاً ‬أكبر ‬لإجمالي ‬الناتج ‬المحلي ‬بنسبة ‬11%، ‬ويعتبر ‬أن ‬الاقتصاد ‬البريطاني ‬لن ‬يعود ‬إلى ‬مستوياته ‬قبل ‬الوباء، ‬قبل ‬عام ‬2024، ‬حتى ‬لو ‬لم ‬تحصل ‬موجة ‬إصابات ‬جديد ‬بكوفيد-19 ‬قد ‬تُرغم ‬السلطات ‬على ‬فرض ‬عزل ‬جديد.
يتطلب نجاح مهمة رئيس اليوروغروب تحقيق تسويات بين القوى المالية الكبرى في الشمال، والتي تتبع سياسة مالية صارمة من جهة، ودول الجنوب المعروفة بتساهلها، من جهة أخرى. ‬وتلعب ‬جنسية ‬رئيس ‬المجموعة ‬دوراً ‬كبيراً ‬في ‬هذه ‬العملية، ‬وما ‬يشير ‬إليه ‬ذلك ‬من مواجهة ‬علنية ‬بين ‬معسكرين ‬في ‬تدبير ‬مفاوضات ‬اليوم. ‬فمن ‬جهة، ‬هناك ‬الدول ‬الأربع ‬التي ‬توصف ‬بـ«المتقشفة»؛ ‬أي ‬هولندا ‬والنمسا ‬والسويد ‬والدانمارك ‬(علماً ‬بأن ‬الأخيرتين ‬خارج ‬منطقة ‬اليورو)، ‬وهي مجموعة ‬متحفظة ‬جداً ‬على ‬خطة ‬التسوية ‬المالية. وفي المقابل، هناك ‬دول ‬الجنوب، ‬وعلى ‬رأسها ‬إيطاليا ‬وإسبانيا، ‬أكبر ‬مستفيدتين ‬من ‬خطة ‬تنص ‬على ‬عملية ‬إقراض ‬أوروبية ‬واسعة.
في الختام، فإن الإيرلندي البالغ من العمر 45 عاماً، هو إداري ذكي أعاد بلاده إلى مسار سليم للميزانية بعد ركود شديد، وأبدى هذا الشاب الذي تستضيف بلاده المقرات الأوروبية لشركات أميركية رقمية كبرى، معارضته لمشروع قانون الضريبة الأوروبية على مجموعات التكنولوجيا الأميركية العملاقة (غوغل، أمازون، فيسبوك، آبل)، وهو ما سينذر بأوقات عصيبة بين قناعاته وقناعات بعض الدول، خاصة فرنسا التي تؤكد أن الضريبة على الشركات الرقمية العملاقة مسألة مشروعة، وستدخل إلى خزينة الدولة الفرنسية منها حوالي 650 مليون يورو.