ما يسعدنا، كشعب، ليست الإنجازات الخارقة للعادة المتتالية في دولتنا، بل جودة ورقي التخطيط الوطني الاستراتيجي من قيادتنا الحكيمة التي مكنّت السواعد والعقول الإماراتية من تنفيذ وتصميم وبناء مسبار الأمل، وتلك الأيدي والكوادر العلمية الإماراتية، التي كانت مدعومة بمتابعة شبه يومية من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، ودعم مباشر وحثيث من «وكالة الإمارات للفضاء»، المظلة الكبرى لكل الأنشطة الفضائية في الدولة، وقد اقتربنا من ساعة الصفر لأول مسبار عربي إسلامي للمريخ، حيث تم نقله من مركز «محمد بن راشد للفضاء» في دبي، إلى محطة الإطلاق في جزيرة «تانيغاشيما» باليابان، تحت إشراف فريق من مهندسينا الإماراتيين، في عملية استغرقت 83 ساعة من العمل المتواصل، وهذا كان أكبر اختبار للإرادة الإماراتية، في ظل تفشي وباء كورونا المستجدّ.
والسباق إلى المريخ يضع الإمارات كتفاً بكتف في هذا المضمار، مع مصاف الدول الكبرى، كالصين والولايات المتحدة الأميركية، وهي لا تمثّل نفسها، بل تمثّل الأمل للأمة العربية بأكملها، وللعالم الإسلامي بمجمله، وإن كانت الرؤية إنسانية معرفية خالصة، والإمارات قالت للعالم مراراً وتكراراً: «نعم نستطيع والمستحيل ليس إماراتياً»، ومهمة دولة الإمارات للمريخ هي نجاح لكل العرب، وتعطي الأمل للشباب العربي أن الغد أجمل، وأن أرض أحلامهم المعرفية تتحدث اللغة العربية، وهي حاضنة التقدم والعلوم في العالم العربي، وتقود العالم العربي بكل اقتدار في مجالات كانت حكراً على العالم الغربي وعمالقة الاقتصاد الآسيوي وأستراليا، و«مسبار الأمل» ليس حلماً، بل مشروع سيتم إنجازه بتفوق، ونهاية هذه المهمة هي بداية الحلم، فالإمارات تحلق خلف المريخ، متسلّحة بالعلوم الحديثة وقيادة حكيمة تقودها نحو مجد عالمي غير مسبوق.
ولمسبار الأمل ثلاثة أهداف علمية، لكن الهدف الرئيسي هو تقديم أول صورة كاملة للغلاف الجوي للمريخ، وبمجرد التحقق من هذه البيانات، ستكون مفتوحة لمجتمع أبحاث الفضاء العالمي دون تحفظ، والهدف الثاني هو فهم الديناميكيات المناخية للمريخ وخريطة الطقس العالمية لكوكب الأرض عن طريق تمييز الغلاف الجوي السفلي، أما الهدف الثالث، فهو شرح كيف يؤثر الطقس على كوكب المريخ وعلى هروب الهيدروجين والأكسجين من الغلاف الجوي، وفهم بنية وتنوع الهيدروجين والأكسجين في الغلاف الجوي العلوي، وتحديد سبب فقدان المريخ لتلك الغازات في الفضاء، وسيتم جمع البيانات في كوكب المريخ لمدة عام كامل، وبالتالي تقديم أفكار جديدة ومفيدة لمجتمع العلوم العالمي حول الكوكب الأحمر، وزيادة فهمنا كيف ولماذا يعتبر المريخ غير صالح للحياة بكافة أشكالها؟
وتحرص الإمارات العربية المتحدة على توسيع قطاع العلوم والتكنولوجيا لتحويل البلاد إلى اقتصاد قائم على المعرفة. والفائدة الأكبر من هذا أن المشروع بناه مجتمع من العلماء والمهندسين الإماراتيين، وأن ما يعادل 34% من العاملين في المشروع من العنصر النسائي، وهن يعادلن كذلك 80% من علماء البعثة، وتحرص الإمارات العربية المتحدة على التعاون الدولي مع الدول المتقدمة في هذا المجال، والهدف هو التفوق عليها مستقبلاً، كما تخطط الإمارات لإقامة «أول مستوطنة بشرية صالحة للسكن» على سطح المريخ بحلول عام 2117، وإنشاء «مدينة المريخ للعلوم»، وهي عبارة عن مجموعة من المختبرات المتطورة للغاية على الكوكب.