بالرغم من الظروف التي تعانيها المنطقة، فإن إطلاق الإمارات «مسبار الأمل» في رحلته الأولى والتاريخية صوب المريخ، سيعيد بعض الأمل إليها، ويجعلنا بالضرورة نستذكر ما قدمه العرب للعالم أجمع منذ قرون مضت. وكم من عالم عربي ومسلم سجّل اسمه بجدارة في تاريخ الإنسانية، وخصوصاً في المجالات العلمية التي ارتقت بمختلف مناحي الحياة. وهذا يجعلنا نتذكر اسم العالمة مريم الحلبية الاسطرلابية (عاشت في القرن العاشر الميلادي). ومن لا يعرفها لا بد أن يقرأ عن مسيرة حياتها. فقد أسهمت تلك الشخصية الفذة في علمي الرياضيات والفلك، واستفاد الغرب مما حققته في الفلك خصوصاً، والذي يعتبر اليوم الشغل الشاغل للدول التي تبذل جهوداً عظيمة في هذا المجال.
إن انضمام الإمارات إلى نادي الفضاء يجعلها تسجل حضورها بين الدول المنشغلة بعلوم الفضاء، منطلقة من شعار (لا شيء مستحيل). ولعل المكسب الأكبر الذي تحقق بالفعل من مشروع «مسبار الأمل» أنه تم بأيادٍ وطنية، وهو أمر تؤكد عليه القيادة الإماراتية المؤمنة بأهمية الاستثمار في الشباب وبقدراتهم وإمكاناتهم باعتبارهما الرهان الرابح دائماً.
فكرة المسبار بدأت قبل 6 سنوات، حين أعلنت الإمارات عن هذا المشروع بهدف استكشاف المريخ لدراسة غلافه الجوي، وبحث إمكانية الحياة على سطحه مستقبلاً، وذلك في ضوء تخطيطها لتأسيس أول مستوطنة بشرية فيه بحلول عام 2117.
خلال ساعات، سيغادر المسبار الأرض في رحلة تستمر 7 أشهر، ثم يعود ليحط رحاله تزامناً مع احتفالات الإمارات بيوبيلها الذهبي ومرور 50 عاماً على إعلان قيام دولة الاتحاد عام 1971. لقد تمت عملية نقل المسبار من دبي إلى مقر إطلاقه من جزيرة تانيغاشيما في اليابان في 25 أبريل الماضي، بالرغم من التحديات اللوجستية التي فرضها وباء كورونا وإغلاق الدول لحدودها. غير أن العقبات لم تنل من عزيمة كوادرنا الوطنية المبدعة، ولم تقف عائقاً أمام إرادة وطموح القائمين على المشروع، وإصرارهم على الوصول إلى محطة إطلاق المسبار، وقد ضاعف الفريق الذي يضم نخبة من الخبراء والمهندسين الإماراتيين، جهودهم لتأمين عملية النقل. ومنذ وصول المسبار بنجاح، والفريق يتولى الإشراف على كل جوانب إعداده وتجهيزه للإطلاق وفق الخطة الزمنية الموضوعة، والتي لا بد أنها وُثِّقت كملحمة تسجل أدق تفاصيل الأداء والانضباط، بالرغم من المشقة التي تحيط عادةً بهكذا منجز، وخصوصاً رحلة نقل المسبار، التي استمرت لأكثر من 83 ساعة متواصلة.
ومما يزيد من جرعة التفاؤل والأمل في هذا الوقت بالذات، إطلاق صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، برنامج (نوابغ الفضاء العرب) الذي تلقى 10 آلاف طلب التحاق به خلال أول يومين فقط، وذلك لكونه البرنامج الأول من نوعه عربياً لاحتضان ورعاية نوابغ عربية في علوم الفضاء، بهدف تأسيس فريق مهندسين وخبراء وفنيين، ولأن المستقبل للشباب، فإن هؤلاء النوابع سيكونون أغلى ثروة وأفضل استثمار، خاصة أن البرنامج سيكون منصة عربية مثالية للاستفادة من التجربة الإماراتية في مجال الفضاء.
إن هذا الإنجاز الإماراتي لم يأتِ من فراغ، بل هو ثمرة عمل دؤوب وجهد بنّاء، ودعم لا محدود من القيادة الإماراتية التي تحرص على تأسيس مستقبل واعد للأجيال الجديدة، وفتح الباب أمامها لمواكبة العصر، وبالتالي المنافسة في عدة مجالات، ومن ثمّ تحقيق ما نصبو إليه.