مُني حزب المؤتمر الهندي بخسارتين متتاليتين في الانتخابات العامة. ففي انتخابات العام الماضي، حصل الحزب على 44 فقط من أصل 542 مقعداً في الغرفة الصغرى للبرلمان، في تباين قوي مع الفوز الساحق الذي حققه حزب «بهاراتيا جاناتا» بزعامة رئيس الوزراء ناريندرا مودي الذي حصد 303 مقاعد. عقب تلك الخسارة، استقال زعيم حزب «المؤتمر» راهول غاندي من منصبه رئيساً للحزب، متحملاً المسؤولية المعنوية عن الهزيمة. ومرة أخرى، تولت والدته، «سونيا غاندي»- التي سبق وأن قادت الحزب إلى فوزين انتخابيين متتاليين- المسؤولية عن قيادة الحزب رئيسة مؤقتة، غير أنه بينما تواجه البلاد الآن أكبر تحد لها من وباء فيروس كورونا، يبدو أن حزب «المؤتمر» يحاول إعادة إحياء نفسه مستفيداً من بعض أخطاء الحكومة. وفي هذا الإطار، فعّل «راهول غاندي» التواصل الرقمي للحزب من خلال إجراء مقابلات، تبث بشكل دوري على وسائل التواصل الاجتماعي، حول تأثير كوفيد- 19 على الاقتصاد الهندي مع الفائز بجائزة نوبل «ابهيجيت بينارجي»، وعالم الاقتصاد البارز «راغورام راجان»، ورجل الأعمال راهول بجاج. حوارات تترك دون شك تأثيراً، وقد نال عنها «راهول غاندي» الإشادة والاستحسان، لأنه يسأل أسئلة مهمة بخصوص التعاطي مع وباء كورونا. 
ومما لا شك فيه أنه لأول مرة أخذ رئيس الوزراء ناريندرا مودي يواجه تحدياً منذ وصوله إلى السلطة في 2014. فـ«مودي» فاز في الانتخابات مرتين متتاليتين حقق فيهما فوزاً كبيراً؛ وما زال يُعد السياسي الأكثر شعبية في الهند حتى وسط وباء كورونا. إذ يواصل هيمنته على الحياة السياسية الهندية، مُحكماً قبضته على عدد من المؤسسات. وحتى الأمس القريب، لم يكن أي زعيم للمعارضة يستطيع أن يطرح تحدياً ذا مصداقية على رئيس الوزراء الهندي سياسياً. 
غير أن سوء إدارة أزمة وباء فيروس كورونا وعدم النجاح في السيطرة عليه أخذا يتسببان في متاعب للحكومة؛ إذ باتت الهند الآن من بين البلدان الأربعة الأولى من حيث عدد الإصابات بالفيروس. فقد تجاوز عدد حالات الإصابة بكوفيد 19 في الهند 700 ألف حالة، ومن المتوقع أن تصل إلى مليون حالة بنهاية هذا الشهر، مع الإعلان عن أكثر من 20 ألف حالة إصابة جديدة كل يوم، وارتفاع حصيلة الموتى إلى أكثر من 20 ألف. ويُعد هذا حتى الآن من بين أكبر التحديات التي يواجهها مودي في الوقت الراهن. 
في هذا الجو، يحاول حزب «المؤتمر» إعادة إحياء نفسه، رغم أنه ما زال من غير الواضح ما إن كان الحزب الكبير القديم في الحياة السياسية الهندية سيكون قادراً على قلب حظوظه السياسية. وإلى جانب «راهول غاندي»، أصبح العديد من زعماء حزب «المؤتمر» الآخرين أيضاً أكثر شراسة أيضاً، وذلك في محاولة للتصدي لحزب «بهاراتيا جاناتا» الحاكم ومحاصرته في زاوية. كما أطلق حزب المؤتمر (حملة «ارفعي صوتك يا هند»، التي تحث المواطنين على استخدام منصات التواصل الاجتماعي، والإشارة إلى أي إخفاقات حكومية في تدبير أزمة كوفيد- 19. 
غير أنه وسط كل هذه المحاولات، ما زال أمام حزب «المؤتمر» طريق طويل ليقطعه. فمع رفض «راهول غاندي» تسلم رئاسة الحزب، فإن هذا الأخير ما زال دون قيادة على مستوى القمة. وبسبب هذا الفراغ في القيادة المركزية للحزب، تواجه القيادات على مستوى الولايات اقتتالاً داخلياً كبيراً في العديد من الولايات، على الرغم من أن المعنويات تظل متدنية. ومن جهة أخرى، ما فتئ حزب «بهاراتيا جاناتا» يزداد قوة فقط، لأن شعبية «مودي» لم تتقلص، حتى الآن على الأقل. 
بعض قادة حزب «المؤتمر» كتبوا مؤخراً عن تراجع الحزب وموقفه الضعيف من تقادمه السياسي، رغم خسارتين سياسيتين متتاليتين، ورغم سلسلة من الانتكاسات السياسية المحيرة، مشيرين إلى «عجز الحزب عن وضع الأجندة والسيطرة على مساره»، غير أنه على الرغم من كل هذا، إلا أن هناك احتمالاً قوياً لصعود شخصية أخرى من عائلة غاندي. ذلك أن «بيريانكا»، شقيقة «راهول غادي»، تقترب تدريجياً من قرص الضوء. فقد قررت نقل مقرها من دلهي إلى «ارتابراديش»، بعد أن طلبت منها الحكومة الفيدرالية إخلاء الإقامة الذي كانت توفرها لها الحكومة في دلهي. 
وتُعد «أترابراديش» أكبر ولاية هندية من حيث عدد السكان، كما أنها الولاية التي ترسل أكبر عدد من الأعضاء إلى البرلمان بـ80 مقعداً. وإذا استطاعت «بيريانكا» تحقيق انبعاث للحزب في «اترابراديش»، فإن ذلك قد يكون بداية عودة حزب «المؤتمر». وكثيراً ما يُقال في الهند إن الطريق إلى دلهي، مقر السلطة الفيدرالية، يمر عبر «اترابراديش».
غير أنه ما زال من غير الواضح كيف سيخرج حزب «المؤتمر» من هذا التحدي السياسي. فالانتخابات المقبلة ستجرى في ولاية بيهار الواقعة في الوسط، حيث يوجد حزب بهاراتيا جاناتا في السلطة مع حليف محلي. وحزب «المؤتمر» لا يملك حضوراً قوياً هناك؛ ولكنها ستكون الانتخابات الأولى التي تجرى وسط الوباء الذي من المحتمل أن يستعر ويزداد تفشياً. ولهذا، فإنها ستُقدم بعض الإشارات حول الشعبية الانتخابية، غير أنه ما من شك فيه أن لدى حزب «المؤتمر» أفضل فرصة لإعادة إحياء نفسه في وقت تواجه فيه الحكومة ضغطاً كبيراً. ولا شك أيضاً أن الهند، الديمقراطية النشطة، في حاجة إلى معارضة قوية.
*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي