ليس هناك فرق بين مفهومي الأمن الوطني والأمن القومي، فكلاهما مصطلح يدل على المنظومة العسكرية والسياسية والاجتماعية التي تُقدم الحماية المشتركة لمجتمع الدولة الواحدة، ويصبح استخدام مفهوم الأمن القومي أحياناً، خلال الحديث عن مجموعة من الدول التي تجمعها مظلة قومية واحدة، في العرق والدين واللغة والعادات، وكذلك المصالح وغيرها، لا يؤسس لمفهوم جديد، بل يكون السبب الاختلاف الناشئ عن تراكمات استخدام المصطلح فقط أو ترجمته من لغة إلى أخرى.
تطور مفهوم «الأمن القومي» في الولايات المتحدة الأميركية، بعد الحرب العالمية الثانية، من استخدام القوة العسكرية للحفاظ على بقاء الدولة مسيطرة إلى استخدام القوى الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والاجتماعية لحماية الولايات المتحدة من التهديدات الداخلية والخارجية التي يمكنها أن تهدم الأمن الوطني الأميركي.
لا شك في أن استخدام مصطلح الأمن الوطني، بات أكثر دقة ووضوحاً، خلال الألفية الثالثة، وحتى عام 2019، قبل أزمة «كورونا»، للتعبير عن المفهوم الشامل للمنظومة التي تقدم المراقبة والحماية والرعاية التي يحتاج إليها المجتمع، بفئاته وطبقاته المختلفة، للنهوض والتطور والاستقرار، بالمراقبة الصارمة لحدوده، ومنع وصول أو دخول، ما يمكنه أن يشكل تهديداً على أمن المجتمعات، وحمايته خارجياً وداخلياً من كافة المشكلات والظواهر، السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قد تتسرب إليه أو تنمو فيه.
يقول البعض، إن مفهوم الأمن الوطني أو القومي سيظل غامضاً، حتى لدى المتخصصين الذين يرون أن عمل الأمن الوطني في الأصل هو منع وصول الدولة إلى حالة أن تكون مهددة عسكرياً، سياسياً، اقتصادياً واجتماعياً، بكافة الوسائل والطرق التي يمكن اتباعها، فهؤلاء لا يمكنهم رصد كافة الأدوات التي قد تستخدمها الدولة لمنع التهديد، حتى داخل الدولة نفسها، فمهما بلغت خبرة المتخصص في الشأن الأمني، لا يستطيع الإلمام بالوسائل غير المباشرة.
هناك مواطنون عاديون غير معروفين، ومواطنون معروفون، أو مقيمون مخلصون، كالإعلاميين والكتاب، يساهمون بمنع التهديد، ويدفعون عن الدولة الكثير من الشر، سواء من خلال بث الوعي، أو بث الروح الإيجابية، وقد يتمكن جهاز الأمن الوطني في دولة ما، أو ما يوازيه في دول أخرى، أن يرى كل ذلك بوضوح شديد، حيث يتابعون بدقة كيف تطور مفهوم الأمن الوطني، على كل صعيد، ليشمل الاهتمامات غير العسكرية، بأنواعها المختلفة، وأيضاً هناك في رأس الهرم، يعلمون أنهم قادرون على الحرب مثلاً، لكن لديهم القدرة على تجنبها، دون الاضطرار إلى التضحية بالمصالح المشروعة للدولة، يقول والتر ليبمان: «تتمتع الأمة بالأمن عندما لا تضطر إلى التضحية بمصالحها المشروعة لتجنب الحرب، وهي قادرة، إذا تم تحديها، على الحفاظ عليها عن طريق الحرب». 
يرى أرنولد ولفرز أن «الأمن القومي يعني بموضوعية عدم وجود تهديدات للقيم المكتسبة وبشكل ذاتي، وغياب الخوف من تعرض هذه القيم للهجوم»، بينما يرى هارولد براون، وزير الدفاع الأميركي (1977 - 1981)، أن «الأمن القومي إذن هو القدرة على الحفاظ على السلامة والأرض الماديين للأمة، والحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع بقية العالم بشروط معقولة، والحفاظ على طبيعتها، ومؤسساتها، وحكمها من الاضطراب من الخارج، ومراقبة حدودها». 
يمكن تلخيص ذلك كله بأن «الأمن الوطني» هو «المزيج الملائم المتناغم الصارم الذي يتحرك بين الحدّين الأعلى والأدنى للنضوج السياسي والقدرات الاقتصادية والكفاءة التكنولوجية، والتفوق العلمي والصناعي والقوة العسكرية والمواطنة المخلصة، بمرونة عالية تمنع كافة أشكال التهديد، ولكنها تسمح بتعديل وتبديل العناصر من حيث قوتها داخل المنظومة الشاملة للأمن، دون أن تؤثر قيد أنملة من أهدافها الرئيسية والفرعية».
التعريف الأخير، بجعل الأمن القومي وسيلة ناجعة ومعياراً متفوقاً لقياس قدرة هذا المزيج المُحكم من التغلب المبكر على أي تهديدات تقليدية أو طارئة، فهو يتحرك كالبندول الخطار، من الأقصى إلى الأقصى، ليس لفرض الرقابة الحاسمة فحسب، بل للتكيف مع حالات الطوارئ المفاجئة، بضخ عناصر جديدة على المفاهيم وإخراج عناصر مُعطلة مؤقتاً، والحركة ليست في اتجاه واحد، كالاستعداد العسكري مثلاً، بل بكافة الاتجاهات التي قد تبلغ أحياناً مساحة بعيدة جداً، عن الحدود الطبيعية للدولة، وتبلغ دولاً وقارات، مؤسسات وجماعات، قطاعات ومجالات لا تخطر على البال.
في علم الاجتماع والعلوم الإنسانية، يتم التركيز على أن الأمن القومي حق مشترك للمجتمعات يحميها من تهديد الخوف، إنها فكرة صحيحة، فما يحتاج إليه المواطن والمقيم والزائر، المستثمر والشركات الكبرى، هو في أبسط أحواله الاستقرار والهدوء والطمأنينة، ومباشرة أعمالهم وحياتهم تحت مظلةٍ هم يثقون بها ثقة مطلقة، يستندون بذلك على بنية سياسية واجتماعية واقتصادية منيعة، كما فعلت قيادة الإمارات الحكيمة، قبل وخلال أزمة «كورونا» التي غيّرت وجه العالم، وغيّرت أيضاً نوع التهديدات التي تحيق بالمجتمع، بل حلقت قيادتنا الرشيدة، في تشكيل الحكومة الجديدة، لفترة ما بعد «كورونا»، لتكون موجودة اليوم، حاضرة في المستقبل، لتحمي الدولة والمجتمع ومكتسبات الوطن، بمواكبة المتغيرات، واقتناص الفرص، بمرونة وسرعة، وتحقق تطلعات شعب الإمارات خلال المرحلة القادمة.