هناك خمسة تغيرات هائلة تحدث في أميركا في الوقت الحالي. الأول هو أننا نخسر المعركة ضد مرض كوفيد-19. وسلوكنا لا علاقة له بالواقع حولنا، وتعبنا حتى استسلمنا. والثاني أن كل الأميركيين، وخاصة الأميركيين البيض، يتعرضون لتثقيف خاطف بشأن الأعباء التي يتحملها الأميركيون الأفارقة كل يوم. وهذا التعليم مستمر، لكن الرأي العام يتحول بسرعة مدهشة. والثالث أننا في غمرة تحول ولاء سياسي؛ فالجمهور الأميركي يرفض الحزب الجمهوري وعلى رأسه دونالد ترامب. وأبرز العلامات الدالة على ذلك انتهاء جميع المظاهر المرتبطة بعبادة شخص الزعيم. والرابع أن هناك شبه ديانة تسعى للتحكم في المؤسسات الثقافية الأميركية. ويستند سدنة شبه الديانة هذه، والمتمثلة في «العدل الاجتماعي»، إلى أيدولوجية تبسيطية مفادها أن التاريخ صراع سلطة في الأساس بين جماعات بعضها قامع والآخر مقموع. ووجهات النظر ليست استكشافاً للحقيقة بل أسلحة تستخدمها الجماعات المهيمنة للحفاظ على مكانها في هيكل السلطة. والكلمات يمكن اعتبارها صيغة من العنف الذي يتعين تنظيمه. والتغير الخامس والأخير هو أننا ربما نكون على حافة كساد اقتصادي طويل الأمد. فقد بلغت ميزانيات الأسر والولايات حالة انهيار، وبعض الانشطة الاقتصادية تتهاوى، وغيرها كثير على حافة الهاوية. وحالة الطوارئ الصحية المستمرة تعني أن النشاط الاقتصادي لا يمكن استئنافه بشكل كامل.
ويعكس كل واحد من هذه التغيرات الخمسة أزمة كبيرة، وكلها أزمات تحاصرنا في وقت واحد وتخلق كارثة أخلاقية وروحية ووجدانية. والأميركيون الآن أقل سعادة من أي وقت مضى منذ أن بدأوا قياس السعادة قبل نحو 50 عاماً. والأميركيون يعبرون الآن عن فخر أقل ببلادهم مقارنة بأي وقت مضى منذ أن بدأ مركز جالوب لاستطلاعات الرأي يقيس هذا الأمر قبل 20 عاماً. وينظر الأميركيون حول العالم، فيجدون أن الدول الأخرى تلحق الهزيمة بكوفيد-19 بينما نفشل نحن. والأميركيون ينظرون حولهم ويرون العنف برعاية الدولة، سواء بالقول أو بالفعل الذي يستهدف مواطنيهم. لذلك فأميركا ليست استثنائية كما أصبح يبدو للجميع. وفي أوقات مثل هذه يتعين أن تكون هناك نظرية للتغيير. وأعلى نظريات التغيير صوتاً في أميركا حالياً هي حركة العدل الاجتماعي. وهذه الحركة ظهرت من جامعات الصفوة، وفرضيتها الأساسية هي أنه لو تمكنا من تغيير هيكل الثقافة، لتمكنا أيضاً من تغيير المجتمع. وأعضاء هذه الحركة ينصب اهتمامهم على الرموز الثقافية المتمثلة في اللغة والتماثيل وأسماء المباني والشوارع. ويركزون كثيراً على تكرار شعارات معينة قد يكون، أو لا يكون، لها أي علاقة بالسياسة، وإبراز إشارات رمزية مثل الركوع قبل مباراة لكرة القدم. إنها طريقة ملائمة للغاية للتغيير في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها تتعلق بالأداء. ونشطاء العدل الاجتماعي يركزون على الأدوات الثقافية للسلطة. وأكثر الأعمال التي يتحدثون عنها هي إلغاء الشعب. فقد يقول شخص ما، عادة يكون معتدلا في تقدميته، شيئاً «يمثل إشكالية» في السياسة ويجري إنهاء عمله. وبهذه الطريقة، توضع حدود جديدة لما يتعين قوله وما لا يتعين قوله.
وأحياناً يدعي بعض نشطاء العدل الاجتماعي أنه إذا لم تعجبك وسائلهم، فمعنى هذا أنك لا تكافح من أجل المساواة العرقية والعدل الاقتصادي أو غيرها. لكن هذه الحركات كانت كلها موجودة قبل أن تلحق بها حركة العدل الاجتماعي وتحاول تغيير وسائلها. المشكلة المحورية هي أن نظرية العدل الاجتماعي في التغيير لا تتمخض عن كثير من التغيير الحقيقي. فالشركات يسعدها تبني بعض الرموز وعقد حلقات نقاش لتعزيز الوعي والاستمرار في طريقها السعيد. لكن الأسوأ أن هذه الطريقة ليس لديها نظرية في السياسة.
لكن كيف سيؤدي كل هذا الهياج الثقافي إلى تشريع يقلص التفاوت في الدخل ويخلق سياسات إسكان أفضل أو يعالج التحديات الكبيرة المذكورة آنفاً؟ هذه الجزئية لم يجر الحديث عنها قط. والواقع أن اتّباع نهج «العاصفة والضغط» يجعل العمل السياسي أصعب، ولا يمكن أن يساعد على شق طريق إلى أغلبية حاكمة. ومنهجية العدل الاجتماعي ليست في نهاية المطاف حلا لمشكلاتنا، بل هي عرَض من أعراض المشكلة. وعلى مدار نصف القرن الماضي، نقلنا السياسة من الطريق العملي لحل المشكلات العامة إلى معترك الثقافة لنستعرض الاستياء. ودونالد ترامب هو اللاعب الأساسي في هذا المعترك العاجز والصعب.
وإذا اعتقد المرء أن تفاعل هذه التغيرات الكبيرة الخمسة سيصب لصالح صيغة أيدولوجية منظمة، فهو مخطئ على الأرجح. وإذا اعتقد المرء أن بوسعه معالجة التفاوتات على أساس العرق وإصلاح أقسام الشرطة ذات الطابع العسكري ومعالجة أزمة صحية خطيرة وركود اقتصادي طويل الأمد عن طريق الصعود بالحرب الثقافية إلى مستوى أعلى، فهو مخطئ، فيما أعتقد. وهذا لأن التعامل مع هذه المشكلات، يتطلب حكومة. ويتطلب وضع تشريعات وميزانية فعلية وتوافقات معقدة.. وغيرها من العمل الحكومي الدؤوب والممل.
أعلم أن كثيرين لا يثيرهم كثيراً جو بايدن، لكني أحمد الله على أن بايدن سيكون مرشح «الحزب الديمقراطي»، إذ جاء إلى الحياة العامة في وقت لا يتعلق الأمر فيه بأداء حماس المرء بل بصياغة ائتلافات ووضع تشريعات. إنه ينضح بروح تتعلق بالتعاطف والصداقة وليس العداء والإلغاء. والروح البراجماتية لـ«الصفقة الجديدة» تعتبر دليلا أكثر ملاءمة للسنوات المقبلة أكثر من روح نظرية استخدام الرموز.

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «نيويورك تايمز»
Canonical URL: https://www.nytimes.com/2020/06/25/opinion/us-coronavirus-protests.html