استناداً إلى تقويم حضارة المايا، كان من «المفترض» أن يوم 21 يونيو الماضي هو اليوم الأخير للعالم، وهي الشائعة التي تداولتها بعض وسائل الإعلام، مستغلةً جهل قاعدة كبيرة من البشر، ومثيرة للقلق في أوساطهم، فبدأوا بتمرير تلك الكذبة على أساس أنها حقيقة، وبالتالي على الجميع انتظار قدر واحد. 
لكن مرّ ذلك اليوم عادياً، من دون أن نشهد تلك النهاية المزعومة مثلما مر اليوم الذي صادف 21 ديسمبر 2012، والذي راجت قبله شائعة بأن القيامة ستقوم في ذلك التاريخ، ومر 21 ديسمبر من ذلك العالم ولم تقم الساعة، آنذاك أعلن مروجوها أن السبب في عدم قيام الساعة وقوع خطأ في الحسابات بسبب الخلط بين التقويمين الجريجوري واليولياني. وقبل حوالي 20 عاماً، انتشرت شائعة تقول: إن أنظمة الكمبيوتر ستتوقف عن العمل، وسينهار نظام العالم، وتحدث الحروب والفوضى بحلول الألفية الثانية، أي مع بداية عام 2000، وأيضاً كذب هؤلاء.
ولأن الشائعات تجد مستقراً لها بيننا، وخصوصاً خلال الأزمات والكوارث، فقد انتشرت قبل أيام شائعة بأن الشمس ستدخل في فترة سُبات، الأمر الذي قد يتسبب في تجمد الطقس وحدوث زلازل، كما حدث خلال الفترة بين عامي 1790 و1830، فاجتاح البرد القارس مناطق من العالم آنذاك، كما حدث في مناطق أخرى براكين، لكن ما حدث حينها لم يكن بسبب «سُبات» الشمس المزعوم، إنما نتيجة حركة طبقات الأرض ذاتها وتغيرات مناخية لا نزال نشهدها حتى يومنا هذا.
وبالرغم من أن العلماء يدحضون هكذا روايات لا أساس لها، إلا أن البعض يصرّ على إطلاقها ولا يجدوا من يحاكهم، فيما البعض الآخر يلتقطها ويلوكها ويجترها ثم يلفظها للآخرين ممن لا يتمتعون بالوعي، وهؤلاء ليسوا حكراً على مجتمع دون سواه، فهم موجودون في الغرب والشرق على حد سواء.
سواء في البلدان المتحضرة أو في البلدان المتخلفة هذه الفئة موجودة، وعدد أفرادها غير قليل، وكثيراً ما يبيعون الوهم للضعفاء اليائسين والقانطين، سواء بقراءة الكف، أو فتح الورق، أو عبر الكرة الزجاجية، وغيرها من طرائق النصب والاحتيال التي تبعد الأفراد عن التمحيص في واقعهم، وتجعلهم مستسلمين تماماً لآمال تشبه خيوط الدخان، وتحديداً تلك المرتبطة جداً بمستقبلهم على صعيد الأسرة والعمل، فيقعدون بانتظار تحققها لكنها لا تتحقق، ولو أنهم يدركون حقاً أن النصابين يستثمرون فيهم، ويبيعونهم الأوهام لما استمروا على حالهم هذا، ولو أنهم يقرأون ويتبحرون في العلم ويتفكّرون في الخلق لما بقوا رهينة أشخاص يتحكمون في مصائرهم.
وهنا، لا أحمّل الضحايا أكثر مما يحتملون، كما أني لا أحاكمهم، إنما برأيي أن قادة الرأي والفكر في المجتمعات مسؤولون عن إنقاذ الناس مما هم فيه، ليس فقط عبر البرامج التثقيفية والتطويرية والتحفيزية الجادة والهادفة، إنما أيضاً من خلال تحسين نوعية حياتهم، بالإضافة إصدار الأحكام والقوانين الصارمة التي تردع الدجالين عما يقومون به، وهم الذين بدأوا باستغلال منصات التواصل الاجتماعي الافتراضية، لبث سمومهم بعد أن فقد التلفزيون بريقه وحضوره في عصرنا هذا وقلّ عدد متابعيه.
وخلاصة القول: إن السياسات هي المسؤولة عن تطور أو تخلف المجتمعات، وكذلك عن صرف الناس عن قضايا كبرى ومهمة في حياتهم أو خرطهم فيها، ليكونوا مشاركين وفاعلين في تقدمها، فإن اعتمدت تلك السياسات على المنطق والشفافية، من خلال توظيف العقول المستنيرة لوضع خطط ترمي إلى الارتقاء بالفرد وآلية تفكيره وحياته، فلن يكون لمروجي الشائعات «خبز» بيننا، ولساعد جيداً في تخليص المجتمع أياً كان من سموم تكاد تودي به إلى التهلكة.