منذ بداية القرن العشرين والمنطقة العربية من محيطها إلى خليجها تعيش أحداثاً ساخنة وحروباً تعصف بمستقبلها وبمستقبل أجيالها الناشئة، وبالتالي تستنزف مقدراتها الطبيعية والبشرية، وهو الأمر الذي يشل حركتها ويضعف من قدرتها على تحقيق برامج التنمية فيها. فالنار تكاد تنتشر في كل مكان، فلا تكاد تهدأ في مكان إلا وتشتعل في آخر. والمتأمل في الخارطة العربية لا يعجز عن تسمية الدول التي تعاني من حروب وانقسامات وتهديدات، وكأن قدر شعوب المنطقة أن تعيش كل تلك المآسي، وأن تتوارث تاريخاً كارثياً ومؤلماً ودولاً تضعف يوماً بعد يوم، وتصغر أيضاً مثلما يحدث فيما تبقى من فلسطين التي تُبتلع على مرأى العالم أجمع.
ولا شك أن منطقة الخليج ليست بعيدة عما يحدث، حالها في ذلك حال العراق وسوريا ولبنان التي تواجه صلف وتعنّت إيران وأذرعها ك«الحوثيين» الذين لم يكفوا عن تهديد أمن منطقة الخليج وترويع المدنيين فيها، فهم ما يزالون يستهدفون المدن السعودية ومنشآتها بالصواريخ الباليستية منتهكة بذلك القوانين والأعراف الدولية التي تمنع استهداف المدنيين والمناطق السكنية، وكان آخر تلك الانتهاكات يوم الثلاثاء الماضي، حيث أطلقت ميليشيات «الحوثي» صاروخاً باليستياً من صنعاء باتجاه الرياض، غير أن قوات التحالف تمكنت من اعتراض مساره وتدميره. وهذا الاعتداء ليس الوحيد الذي طال سماء المملكة، فقد سبقته اعتداءات كثيرة استهدفت الآمنين في المناطق السكنية والصناعية، وحتى اليوم ليس هناك ما يردع «الحوثي» عن القيام بتلك الاعتداءات التي تدينها الإمارات الداعمة لجهود الرياض في سبيل ضمان سلامة مواطنيها والمقيمين على أراضيها.
موقف أبوظبي هذا لا ينفصل عما تقدمه من مبادرات لدعم اليمن لوضع حد لمعاناة شعبه، وهي ما تناقشه باستمرار مع المبعوثين الأمميين إلى المنطقة، وتضعه على طاولة البحث مع العواصم الأخرى، وآخر نقاش رسمي في هذا الجانب كان قد أجراه قبل أيام معالي الدكتور أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن جريفيث.
وفي تقديرنا الشخصي فإن العدوان «الحوثي» الأخير يأتي رداً على جهود الرياض لتسوية الخلافات بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي وفقاً لاتفاق الرياض الموقّع بين الجانبين في 5 نوفمبر 2019 والذي أربك «الحوثيين» ومن ورائهم.
الموقف الرافض للتدخل الإيراني في المنطقة العربية عبر أذرعها يتفق تماماً مع المواقف العربية الرافضة للتدخل الأجنبي في ليبيا، وهو الموقف الذي أعلن عنه وزراء الخارجية العرب في ختام أعمال الدورة غير العادية للجامعة العربية، حيث جدد وزراء الخارجية الالتزام بموقفهم بضرورة استقرار ليبيا ووحدة أراضيها وحماية أهلها، كما شددوا على ضرورة استعادة مؤسسات الدولة سلطتها لصالح أبناء ليبيا، وليس لخدمة الدول الأجنبية الطامعة فيها وفي ثرواتها، تلك الدول التي ما تزال تسهّل انتقال ميليشياتها إلى الأراضي الليبية، والتي تعمل على تهديد خاصرة مصر من جهة الغرب.
حين قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، إن سرت خط أحمر فإنه لم يكن يعني الأمن المصري وحده، بل أمن المنطقة أيضاً، وقد أصدرت الرياض وأبوظبي والمنامة بيانات تدعم موقفه تأكيداً على وحدة رؤية هذه الدول ضد أي مخاطر وتهديدات قد تلحق بمصر وبغيرها من الدول العربية، لكن في المقابل نتمنى أن يتنبّه البقية لخطورة المرحلة، وأن يتفقوا على سبل مواجهة هذه التهديدات، فالسكوت في هكذا موقف ليس من ذهب، والصمت ليس فضيلة. فبعد كل ما أصاب المنطقة العربية وشعوبها، ألم يحن الوقت لوقوف الدول العربية مع بعضها البعض ضد أي طامع بأراضيها؟ أليس من الحكمة أن تحل مشكلاتها بأيديها لا بأيدي الآخرين؟ أليس من حق شعوب المنطقة أن يطمئنوا في حاضرهم ومستقبلهم ليكونوا قادرين على بناء مجتمع سليم وقوي؟