إذا كانت الأزمات كثيرة التنقل عبر الحدود الجغرافية، عندئذ يمكننا أن نتحدث عن أزمات يتركز نشاطها في دول تفتقر إلى أنظمة تعليمية حقيقية، يجعلها تعاني وتتأخر في مسيرة التنمية. الجهل يغذي الأيديولوجيات السياسية والدينية المتطرفة، كبديل للسلام والاستقرار، بينما تظهر ثمار التقدم العلمي والبحثي في فرص الازدهار الذي يتركه التقدم العلمي والبحثي في مستقبل المجتمعات. وفي خضم أزمة جائحة «كوفيد - 19» التي يشهدها العالم، نرى أهمية العلم وأيضاً الاستقرار، فتركيا مثلاً تتحدث بشعارات عن الصالح العام، وفي الوقت نفسه يتضرر شعبها من الانخراط في حروب لا طائل منها سوى الفوضى، بينما الدول الوطنية التي لديها رسائل حضارية مثل دولة الإمارات، قدمت مساعدات إنسانية إلى أكثر من 60 دولة في العالم لمكافحة «كوفيد - 19»، إلى جانب التزامها بتقديم 8 مليارات دولار لدعم الأبحاث العالمية في تطوير لقاح فعال وآمن، إدراكاً منها بأن الأبحاث العلمية بإشراف كوادر من الأطباء أو المهندسين لا يمكن عزلها عن التعاون العلمي بين الأمم ضمن ما يُسمى بالدبلوماسية العلمية، حيث لا تقل في أهميتها عن التعاون السياسي والعسكري.
ولقد تجاوزت الدبلوماسية الإماراتية القيود الثقافية والجغرافية منذ تأسيسها، إلى أن وصلت في نقل المعرفة الحديثة إلى الكوادر الإماراتية في قطاع الفضاء والذكاء الاصطناعي والطاقة النووية السلمية والأمن الإلكتروني، وغيرها من قطاعات واعدة، حيث تبوأت الإمارات المركز الثاني عالمياً في مؤشر الإنفاق الحكومي على التعليم لكل طالب في 2020، ما يؤكد أولوية التعليم في الأجندة الوطنية لدى قيادتنا الحكيمة. ولنا دروس وأمثال في الدبلوماسية العلمية، ومنها إعلان الإمارات استضافتها المقر الدائم للوكالة الدولية للطاقة المتجددة «آيرينا» في عام 2009 التي تعتبر منصة للتعاون الدولي في تبادل المعرفة والحلول في تحديات التغير المناخي والطاقة المتجددة، فقد هيئَت الفرص لمزيد من التعاون في مجالات اختصاص الوكالة.
مستقبل الدبلوماسية العلمية واعد، خاصة ما يتعلق بالتعليم والأبحاث المتعلقة بالصناعات الدوائية والغذائية، حيث غدا استقرار الدول يعول على تلك الصناعات في مواجهة الأزمات المشتركة.
كما أثبتت القيادة السياسية الكفؤة نجاحها على الصُعد كافة، بحيث لا تنظر إلى التغيير بصفته تحدياً فقط، وإنما تراه فرصة أيضاً، ما يستدعى وضع إطار عمل مشترك للمؤسسات المعنية بالتعليم والدبلوماسية الإماراتية، بحيث تسطيع الأخيرة إدارة تحالفات علمية متعددة التخصصات، وجذب أفضل العقول العلمية إلى أرض الوطن بدليل استقطاب الإمارات للكفاءات العلمية من مختلف دول العالم للوقوف بجانب الأطباء الإماراتيين في الصفوف الأمامية لمكافحة انتشار فيروس «كوفيد - 19». ونشير هنا إلى امتلاك الإمارات ميزات تنافسية أكثر تركيزاً في العلوم الغذائية والصحية، بما يضمن تقليل المخاطر على المدى القصير والمتوسط، ذلك أن الغذاء والدواء يدعمان الاحتياجات المعيشية للمجتمع في ظل تزايد عدد السكان في الإمارات، ما يفسر تربعهما على سلم الأولويات الحكومية. كما أنهما قطاعان واعدان يوفران فرص عمل سريعة، ويدعمان التحول إلى اقتصاد غير نفطي عبر تغذية الأنشطة الأخرى مثل السياحة والنقل وغيرهما. وأخيراً، يدعمان رسالة الإمارات الإنسانية في تصدير المنتجات والخدمات الغذائية والصحية منها إلى بلدانٍ تعاني أزمات أو ربما تعرضت لكوارث طبيعية.