في ظل تواتر الأزمات المختلفة على الصعيد العالمي، أصبح للتنجيم العلمي المتوازن ودراسة «الكف المعرفي» أهمية قصوى لمراكز البحوث والتفكير في العالم، وعدم الاكتفاء بالمعرفة والتوعية ورسم السياسات وصنع القرار، وحزمة من الاستنتاجات وتوصياتها التي ترفع لصنّاع القرار. ويتساءل الجمهور العربي: أين هو دور هذه المراكز المتخصصّة في إدارة الأزمات الحالية؟ وتبنّي منظور عابر للقارات في أزمة تعد تهديداً مباشراً للأمن الإنساني، بل للوجود الإنساني! أم يقتصر دور تلك المراكز على تجميع المعلومات والبيانات وتحليلها؟ والقيام بدراسات فضفاضة غير تطبيقية، لا تمسّ أهم الأحداث على مدار الساعة، ولا تتنبأ بها! وبالتالي، تجنب دولها ويلات تلك الأزمات، وتمنعها من التحول لكوارث، حيث إن الوصول للمعلومة المفيدة سهل نسبياً، ولكن تحويلها لفرصة سانحة واستثمار معرفي والاستفادة منها، هو المعضلة الحقيقية.
ففي وقت الأزمات هناك فجائية في تتابع الأحداث، وضيق في الوقت، وضبابية وقلة في المعلومات، فهل تملك مراكز الأبحاث في الوطن العربي عامةً، والخليج العربي بشكل خاص، البنى التحتية الكافية لتبادل الأدوار؟ وتغيير أولوياتها أثناء الأزمات، ضمن إطار جاهز للتسارع، أوتسريع وتيرة إيجاد حلول للأزمات؟
فأول مركز بحثي في العالم (معهد / مؤسسة بروكينغز) تأسس عام 1916 في الولايات المتحدة، البلد الذي يتفوق على العالم، لكونه يتملك 25% من مراكز الأبحاث المنتشرة في شتى أرجاء المعمورة. هذه المراكز ليس لديها ترف فكري، حيث لا يمكن فصل السياسة والدبلوماسية الناعمة أو القوة عن المعرفة، فمن الضرورات الاستراتيجية أن تتبنى مراكز الأبحاث توجهات ذكية، وأن يكون للباحث المحلي قيمة مضافة في تلك المراكز التي تستدعي الرؤى المتنورة، كحاجة ضرورية، لتموقع دولها في إقليمها والعالم، وأن تطوّع لخدمة الغايات والمصالح الوطنية العليا، دون تجاهلها لتحدي أن الأدوار المناطة بالمراكز مرتبطة بالأموال التي توفرها الجهات المانحة وأيديولوجية الممولين. ولتجنّب عدم الموضوعية، لابد من إعطاء تلك المراكز مساحةً من الحرية لتوليد رؤية جماعية علمية قبل الأزمة، وأثناءها، وبعدها.
وحتى تكون مراكز الأبحاث استباقية، من المهم أن تشكل فرق عمل داخلية تفاعلية مع باقي الجهات على مدار الساعة، وأن يكون البحث خليطاً بين عقل الإنسان والآلة والبرمجة والتطبيقات الذكية؛ لتقديم المعرفة الرصينة المعقدة، والغوص صوب ما هو أعمق لاستشراف القرارات والسيناريوهات الممكنة. وكيف يمكن أن يؤثر كل قرار على الدولة ككل.
ومن الضروري أن يتعامل المركز البحثي مع الرأي العام، ويفهم نوعية الجماهير ومستوياتهم، وتوجيه الخطاب بمختلف اللغات، ناهيك عن التعاون المباشر مع العالم الأكاديمي لملأ المجال العام، وليصبح الخطاب الصادر من المراكز، هو المدخل لفهم الأزمة وضمن القوى البحثية الطلائعية.
ويعد وصول مخرجات المراكز للشارع أمراً لا يقل تأثيراً عن التواصل مع صنّاع القرار، خاصة أن التواصل الاجتماعي - اليوم - يعد أنثروبولوجيا العالم المعاصر، وخاصةً في القضايا الحية، وحتى تصبح البحوث التي تخصّ الأزمات وإدارتها غير نمطية، وتلمس حصة من تشكيل وعي القيادات الاستراتيجية والتنفيذية، يجب عدم احتكار مركز، دون غيره، التأثير في صنع القرار والسياسات أثناء الأزمة، ونشير هنا، بصورة عامة، إلى أهمية أن تكون تلك المراكز على صلة وثيقة بالدوائر الحكومية، وأن يكون هناك اتصال مباشر ودائم وربط إلكتروني بينهم، ليكونوا جزءاً من فرق إدارة الأزمة ودعمها، حسب الحاجة، بعيداً عن الروتين التقليدي.