«الضم أو التطبيع» كان العنوان الذي اختاره معالي يوسف العتيبة، سفير دولة الإمارات العربية المتحدة في واشنطن، لمقاله الذي نشر في صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية. والمقال خرج في صيغة رسالة مفتوحة موجهةٍ للرأي العام الإسرائيلي، إلا أن مضمونه كان رسالة للبيت الأبيض مفادها أن أيام احتكار واشنطن لقناة الاتصال أو التواصل مع دولة إسرائيل قد ولت إلا غير رجعة.
الارتهان المبالغ فيه بواشنطن في ملف الشرق الأوسط، هو ما سهّل تفويت الفرص والحلول، وهذا رسخ قناعة أن الاتصال المباشر خيانة وتطبيع. وأن كان الأخير «التطبيع» هو ما اُجمع عليه مجازاً في التهويل العاطفي سياسياً، إلا أن تفسير المصطلح بما يتوافق وتوظيفه السياسي واللغوي (العربية والإنجليزية) في عنوان مقال السفير «العتيبة» كان موفقاً إلى أبعد حدود المجاز سياسياً.
المقال أخرجنا من واقع المراوحة العبثية في إدارة هذا الملف من قبل كافة الأطراف رغم تفاوت حسن النوايا، وأسس لواقع ضرورة امتحان جميع تلك النوايا. فإن كانت افتراضات «اليمين» الإسرائيلي قائمة على أن الذكراة العربية هي قصيرة الأجل، فإن الموقف الذي عبّر عنه المقال ليس من الخطوط الحمراء العبثية، بل تأكيد لحتمية خيار المسارات الاستراتيجية. ويتوجب على واشنطن قبل تل أبيب، أن تعي ذلك، لأن غياب التوازن سيضر بالمصالح الاستراتيجية للجميع، وأولها الشراكة في صناعة استقرار مستدام.
أي صفقة أو مبادرة سيتوجب أن تمر من بوابة «الدرعية»، فمن دون الثقل السعودي لن يتحقق الإجماع المطلوب لإنجاح عملية سلام. ومن دون ضمانات تحقق العدالة للفلسطينيين، سيبقى الثقل السعودي والإجماع العربي أمراً بعيد المنال. ولطالما طمحت إسرائيل في الوصول إلى علاقات طبيعية مع دول الخليج العربية، إلا أن فشلها في ذلك مرجعه تعمدها إساءة فهم من تخاطبهم، وافتراض توافق النظرة لما تمثله إيران كفيل بتخليق تفاهمات تتجاوز ملف السلام في الشرق الأوسط.
كسر احتكار واشنطن لهذا الملف مع انطلاق سباق الرئاسة الأميركي، وتهديد بنيامين نتنياهو بضم أرض في الضفة الغربية مطلع يوليو المقبل سوف يضع الإدارة الأميركية الحالية وحتى القادمة أمام تحديات حقيقية، خصوصاً مع تطلع العالم لتجاوز جائحة كورونا المستجد. فهل ستدرك إسرائيل قيمة الفرصة التاريخية في الانفتاح على عمقها الطبيعي عبر الانخراط الجاد في عملية سلام جادة. أم أنها ستغامر بخلق تململ في الموقف الأميركي تجاه هذا الملف، خصوصاً بعد أن أثبتت دول الخليج العربية، أنها قادرة على مخاطبة الرأي العام الإسرائيلي بشكل مباشر دون الحاجة للمرور بمحطة واشنطن.
*كاتب بحريني